الشرك وخطره على دين الفرد والمجتمع
سيف النصر علي عيسى
أولاً : تعريفة
(I) لغة : بمعنى المخالطة والمشاركة
(II) شرعًا : هو جعل شريك مع الله في ألوهيته أو ربوبيته أو أسمائه وصفاته
ثانيـًا : الميثاق الذي أخذه الله على بني آدم وهم في ظهر أبيهم
وهو : الميثاق والعهد الذي أخذه الله على بني آدم في ظهره عندما نثرهم كالذر وأشهدهم على ذلك أنه هو الله عز وجل الخالق الرازق المحيي المميت ، وعلى أن لا يشركوا بالله شيئًا
قال الله تعالى : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ * وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الأعراف: 172ـ174) .
قال ابن جرير في تفسيره (9/110) :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد : واذكر يا محمد ربك إذ استخرج ولد آدم من أصلاب آبائهم فقررهم بتوحيده وأشهد بعضهم على بعض شهادتهم بذلك وإقرارهم به . أ ـ هـ
روى البخاري (3067) عَنْ أَنَسٍ يَرْفَعُهُ : (إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لأَهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا : لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ كُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ ؟
قَالَ : نَعَمْ
قَالَ : فَقَدْ سَأَلْتُكَ مَا هُوَ أَهْوَنُ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ أَنْ لا تُشْرِكَ بِي فَأَبَيْتَ إِلا الشِّرْكَ )
ثالثاً : أول حدوث الشرك
كان بين آدم ونوح عليهما السلام ألف عام ، وكان الناس فيها على التوحيد الخالص ، وكان هناك خمسة من الصالحين أحبهم الناس ، والتفوا حولهم ، فلما هلكوا حزنوا عليهم ، فآتي إليهم الشيطان وأوحي إليهم أن يصنع لهم تماثيل وصور لهؤلاء القوم يذكرونهم بها ، ثم توالت الأجيال جيل بعد جيل ، وكلما هلك جيل اشتد تقديس هؤلاء الصالحين من الجيل الآخر ، إلى أن أوحى إليهم الشيطان أن أجدادهم وآباءهم كانوا يعبدون تلك الأصنام ، فبنوا لها المعابد وعكفوا على عبادتها ، فأرسل الله إليهم نوحًا عليه السلام يدعوهم إلي التوحيد ونبذ هذا الشرك ، فأبو وأصروا على ما هم عليه ، لذا قال تعالى : (وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) (نوح:23)
ذكر ابن كثير في تفسيره عن محمد قيس أنه قال :
كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح ، وأن لهم إتباع يقتدون بهم ، فلم ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم : لو صورناهم لكان أشوق لنا إلي العبادة إذا ذكرناهم ، فصورهم ، فلما ماتوا جاء آخرون دب إليه إبليس فقال : إنما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر فعبدوهم . أ ـ هـ .
وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد :
أما وُد فكانت لكلب بدومة الجندل ، وأما سواع فكانت لهذيل ، وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ ، وأما يعوق فكانت لهمدان ، وأما نسرا فكانت لحمير لآل كلاع .
وهي أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا في مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا ، فسموها بأسمائهم فلما تعبد حتى إذا هلك أولئك وقل العلم عبدت .
ويستفاد من ذلك ما يلي : ـ
1ـ إن من أسباب الشرك هو الغلو في الصالحين 2ـ إن استحسان الشيء لابد وأن يكون موافقا لشرع الله وإلا أعتبر ذلك أول خطى الشيطان
3ـ تحريم الصور والتماثيل لأنها ذريعة إلي الغلو
ولذلك حرمها النبي صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث روى البخاري(5498) ومسلم (3937) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : ( قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَرْتُ بِقِرَامٍ لِي عَلَى سَهْوَةٍ لِي فِيهَا تَمَاثِيلُ ، فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَتَكَهُ وَقَالَ : أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ.
قَالَتْ : فَجَعَلْنَاهُ وِسَادَةً أَوْ وِسَادَتَيْنِ )
وروى البخاري (5494) عَنْ مُسْلِمٍ قَالَ : كُنَّا مَعَ مَسْرُوقٍ فِي دَارِ يَسَارِ بْنِ نُمَيْرٍ فَرَأَى فِي صُفَّتِهِ تَمَاثِيلَ فَقَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُصَوِّرُونَ)
وروي مسلم (3945) عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ : إِنِّي رَجُلٌ أُصَوِّرُ هَذِهِ الصُّوَرَ فَأَفْتِنِي فِيهَا
فَقَالَ لَهُ : ادْنُ مِنِّي . فَدَنَا مِنْهُ ، ثُمَّ قَالَ : ادْنُ مِنِّي . فَدَنَا حَتَّى وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ قَالَ : أُنَبِّئُكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ يَجْعَلُ لَهُ بِكُلِّ صُورَةٍ صَوَّرَهَا نَفْسًا فَتُعَذِّبُهُ فِي جَهَنَّمَ )
و قَالَ : إِنْ كُنْتَ لا بُدَّ فَاعِلا فَاصْنَعْ الشَّجَرَ وَمَا لا نَفْسَ لَهُ .
وروى البخاري (5504) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةً فِيهَا تَصَاوِيرُ ، فَلَمَّا رَآهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عَلَى الْبَابِ فَلَمْ يَدْخُلْ فَعَرَفَتْ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ
قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مَاذَا أَذْنَبْتُ ؟
قَالَ : مَا بَالُ هَذِهِ النُّمْرُقَةِ ؟
فَقَالَتْ : اشْتَرَيْتُهَا لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وَتَوَسَّدَهَا
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ أَصْحَابَ هَذِهِ الصُّوَرِ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ ، وَقَالَ : إِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لا تَدْخُلُهُ الْمَلائِكَةُ .)
فالتصوير حرام إلا لحاجة مثل الهويات (البطاقات ) ، وجواز السفر ، وما لابد منه ، ولا يجوز تعليقها سدًا لذريعة الشرك .
4 ـ أن الأصنام التي عُبدت بأرض العرب كانت هذه الأصنام وغيرها .
5ـ إن أصحاب القبور والأضرحة ممن يتخذوها قربة لله ؛ هم واقعون في نفس الشرك التي وقع فيه قوم نوح .
6 ـ أن الجهل سبب لكل بلية وشرك ، والعلم نجاة من ظلمة الضلال إلى نور الهداية .