ثالثا: تعريف كلمة (الفقه) في اللغة
- قوله: ((وَالفِقْهُ فِي اللُّغَةِ: الفَهْمُ، وَمَعْرِفَةُ غَرَضِ المُتَكَلِّمِ))
اللغة: هي أصوات يعبر بهَا كل قوم عَن اغراضهم، وَهِي "فعلة" من لغوت: أَي تَكَلَّمت( )
والمقصود بها هنا معنى كلمة الفقه في لهجات العرب، لأن القرآن نزل بها، والنبي عربي، فمعرفة معاني الألفاظ يكون بحسب هذه اللهجات.
وأما معنى الفقه في لغة العرب: فيقال: فقه الأمر؛ أي فهمه، قال موسى عليه السلام لربه: ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾[طـه: 27،28] أي يفهموا قولي.
ويقال: الفقه: هو معرفة غرض المتكلم، ويقال دقة الفهم. وكلها معاني مطلوبة وسائغة بحسب السامع والقارئ. والفهم ومعرفة غرض المتكلم لا يكون إلا عن علم.
والمقصود هنا هو: معرفة مراد الله ورسوله من القرآن والسنة
* * *
رابعا: تعريف كلمة (الفقه) في الاصطلاح
قال المؤلف: ((وَفِي الْاِصْطِلاَحِ: هُوَ الْعِلْمُ بِالأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَمَلِيَّةِ المُسْتَفَادَةِ مِنْ أَدَلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ))
شرح التعريف:
1 - قول المؤلف عفا الله عنه: ((هو العلم)) سمي علما لأنه علامة يهتدي بها العالم إلى ما قد جهله الناس.
أو هو صفة ينكشف بها الشيء بعد أن لم يكن.
وينقسم العلم إلى قسمين: علم يقيني وعلم ظني كما سيأتي توضيحه
ولكن المقصود به هنا الظن وليس اليقين.
2- قول المؤلف: ((بالأحكام))، وهي جمع حكم، وتطلق على الإتقان ومنه قوله تعالى: ﴿الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾[هود:1]، أحكمت: أي أتقنت.
ومنها يطلق على المنع كما في قول جرير:
أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم ** إني أخاف عليكم أن أغضبا
وفي الاصطلاح: الحاق أمر لآخر إثباتا أو نفيا.
فيقال: النوم المستغرق ينقض الوضوء، فهذا إثبات
ويقال: إن القيء لا ينقض الوضوء، وهذا نفي، ونحو ذلك.
3- قول المؤلف: ((الشرعية)): الشرع: معناه: البيان والظهور؛ فيطلق على شراع السفينة لوضوحه وظهوره عبر الأفق البعيد
وفي الاصطلاح: ما أظهره الله من الأحكام لعباده وهيئها لأن تكون معيناً
تشرب منه المقاصد والتفصيلات.
فالمقصود بالشرعية: هي التي تثبت عن طريق الكتاب والسنة أو أحدهما وتتعلق بفعل المكلف.
فتخرج من ذلك عدة أحكام منها:
- الأحكام العادية: وهي نسبة أمر لآخر أو نفيه عنه عادة، وهي الأحكام التي اعتادها الناس في حياتهم، مثل نزول المطر عند وجود السحاب في السماء
ومثل: طلوع الشمس، وتعاقب الليل والنهار
- والأحكام التجريبية: وهي نسبة أمر لآخر أو نفيه عنه بطريق التجربة فهي التي تثبت عن طريق التجربة، مثل الدواء ونحوها.
- والأحكام العقلية: وهي نسبة أمر لآخر أو نفيه عنه عقلا كالنظريات الهندسية، ومعرفة الكل أكبر من الجزء
- والأحكام الوضعية: وهي نسبة أمر لآخر أو نفيه عنه عن طريق أصل الوضع اللغوي كالمرفوع والمنصوب من علم النحو.
كل هذه الأحكام لا تسمى فقها؛ إذ الفقه لا يثبت إلا بالكتاب والسنة.
4- قول المؤلف: ((العملية)): أي المتعلقة بأفعال المكلفين مثل العبادات كالصلاة والصيام والحج، والمعاملات مثل الزواج والطلاق والبيوع والقضاء والشهادات.
فخرج بذلك:
ـ الأحكام العلمية الاعتقادية: مثل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، فهذه لا تحتاج إلى عمل.
- والأحكام الأخلاقية: مثل الصدق والكرم والشجاعة ونحو ذلك.
5- قول المؤلف: ((المستفادة)) أي عن طريقين
الأول: العلم بمواطن الإجماع، وهذا لا يحتاج إلى نظر واستدلال
والثاني: العلم بالراجح في مسائل الخلاف
وهذا يكون عن طريق النظر والاستدلال
أما النظر فهو: الفكر المؤدي إلى علم.
والاستدلال: هو طلب الدليل.
فخرج بذلك:
- علم الله؛ لأنه قائم بذاته سبحانه وتعالى غير مستفاد
- علم الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه متلقي عن طريق الوحي.
-كذلك يخرج علم المقلد لأن المقلد لا نظر له ولا استدلال ولا يملك الآلة لذلك.
- وكذلك خرجت مسائل الاعتقاد، وخرج المعلوم من الدين بالضرورة من الأحكام الشرعية كوجوب الصلاة والصيام والزكاة وتحريم الخمر والزنا فلا يحتاج إلى نظر واستدلال. لا يسمى العالم بها فقيها. إنما المسائل المختلف فيها بين أهل العلم والتي تحتاج إلى علم الآلة للترجيح بينها صاحبها يسمى فقيها.
6- قول المؤلف: ((من أدلتها)):
- الدليل في اللغة: هو المرشد إلى المطلوب
- واصطلاحا: ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري.
مثال: قال تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ﴾[المائدة: 33]
فهذا دليل: عند النظر فيه نجد أن العقوبة تجب في واحدة منهم على التخيير بحسب المصلحة والمفسدة.
يدل على أنه قد تصلح عقوبة في زمن لكنها لا تصلح في زمن آخر وقد تصلح في حال ولا تصلح في حال آخر. وبدل أيضا على صلاح الشريعة لكل زمان ومكان وحال.
مثال آخر: قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾[البقرة: 30]
استفيد من الآية على وجوب تنصيب خليفة أو حاكم للناس، حيث لا يوجد نص صريح في ذلك.
7- قول المؤلف: ((التفصيلية)): وهي أدلة الكتاب والسنة الجزئية التي تدل على أحكام جزئية في مسائل جزئية
مثال: قال تعالى: ﴿وَالسَّارِق وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38)﴾[المائدة: 38]
فهذه الآية دليل جزئي ـ تفصيلي ـ تدل على حكم جزئي في مسألة من مسائل الفقه وهي وجوب قطع يد السارق والسارقة، ولكن المستفاد من الآية هو الخلاف في تحديد قيمة المسروق الذي يحد فيه السارق، وأيضا في حد اليد، هل هو كامل اليد أو المقصود به الكف فقط، وهل يشترط الحرز أو لا يشترط، وغير ذلك من المسائل المتعلقة بهذه الآية وما يستفاد منها من أحكام.
فتخرج من " التفصيلية ": الأدلة الإجمالية، وهي مسائل أصول الفقه
* * *