الجهاد بين المفهوم الشرعي ومفهوم التنظيمات الجهادية الحديثة
أولا : إطلالة على التاريخ الجهادي المعاصر
الكاتب : أبوحسام الدين الطرفاوي
لا شك أن التطرق إلى مثل هذا الموضوع لا يكفيه مقالا واحد لإلقاء الضوء عليه ، رغم انتشاره بين الناس في مختلف الأرجاء ، والحديث عنه لا ينقطع بين العوام والعلماء والمسؤولين في كل دولة من الدول وخاصة الدول التي ابتليت بجماعات جهادية تدعي نصرة الإسلام ورفع راية التوحيد . فتعيث في الأرض فسادا ، كثرت الدماء وخربت البيوت ودمرت المدن والقرى .
رأينا على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها سيلا جارفا من فتيات وفتيان من شتى البقاع يتحدثون عن الجهاد والقتال ، وقد اختلفت مشاربهم ما بين قتال الحكومات والقتال في سوريا . وجماعات الجهاد المعاصرة جميعها متفرع من جماعة واحدة وهي جماعة الأخوان المسلمين التي أنشأها حسن البنا في عام 1928 في ظروف غامضة مريبة ، وفي مكان يعج بالاحتلال ، وأنشأ التنظيم السري لهذه الجماعة لمقاومة الأعداء ، وكلن هذا التنظيم السري خاصة بالاستخبارات والعمليات العسكرية المحدودة من اغتيالات ونحو ذلك . لكن العجيب أن هذا التنظيم لم نسمع عنه أنه صوب رصاصة واحدة في صدر أو رأس محتل أو شخصية مرموقة من المحتلين لمصر ، وإنما وجدنا في جانب آخر أن هذا التنظيم توجه مباشرة إلى المسؤلين المصريين في الدولة ، فتم اغتيال النقراشي باشا والخازندار في أواخر الأربعينات من القرن العشرين . ثم توالت عمليات الاغتيالات ومحاولاته حتى اصطدموا بحكومة عبد الناصر في الخمسينات وفعل بهم ما فعل ورغم ذلك ظل التنظيم السري المسلح يحاول محاولاته ، وكان فكر سيد القطب الذي نشأ نتيجة اختلاف بينه وبين مجلس قيادة الثورة على أمور سياسية حين رفض تعيينه وزيرا للمعارف ، فكان أن استجلب السذج والجهلة من تنظيم الاخوان بقضايا التكفير والحاكمية ونحا فيها نحو الخوارج ،بل كان أشد من الخوارج الأولين حيث اعتبر المساجد معابد للجاهلية وحكم بكفر كل المجتمعات الإسلامية ، فنشأ نتيجة ذلك جماعة التكفير والهجرة التي اغتالت وزير الأوقاف حسين الذهبي ثم جماعة الجهاد ثم جماعة التوقف والتبين وجماعات صغيرة ظلت فترة ثم اضمحلت ، وأيضا نشأت منهم الجماعة الإسلامية ، وعاد التنظيم السري لجماعة الأخوان متمثلا في الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد في حركة الاغتيالات وقاموا باغتيال الرئيس السادات ، وكل هذا وهذه الحركات التي انبثقت من جماعة الأخوان لم يكن لها دور واحد ضد أي محتل أو مستعمر أو عدو من أعداء المسلمين ، ثم جاءت الصنعة الأمريكية وظهر تحالف الاخوان مع المخابرات الأمريكية ، في إشعال فتيل القتال في أفغانستان ، وكان الرائد في هذا الدكتور الفلسطيني الأردني الأخواني عبد الله عزام وهذب إلى أفغانستان وكانت أيضا البداية حربا ضد الحكومات وليست ضد الاحتلال ، وكان المقصد بها هو زج الدب السوفيتي في هذه الحرب ، وكان لهم ذلك حيث استغاثت الحكومة الأفغانية بالحكومة الروسية فتدخلت بغباوتها ، وكان أن وقفت الدول العربية والإسلامية مع المقاتلين الأفغان ، وكانت هذه الحرب تدار من السفارة الأمريكية في القاهرة ، وذهب أسامة بن لادن إلى أفغانستان لجلب التيار السلفي وكان له ذلك ، وانقسم المقاتلون في أفغانستان إلى سبع طوائف بسبع رايات ، وكانوا يفعلون الأفاعيل لبعضهم البعض من سرقة الإمدادات والتمويل وقطع الطريق على بعضهم البعض ، وكان رأي كثير من العلماء بأن هذا ليس جهادا في سبيل الله تعالى ، لأن الجهاد لا يكون إلا تحت راية واحدة وأمير واحد وهدف واحد ، لكن هؤلاء كانوا سبع رايات وسبع أمراء وبينهم اختلافات عرقية ومنهجية وعقائدية ، وانتهى القتال بهزيمة السوفيت ، ومع ذلك لم يستطيعوا أن يهزموا الحكومة الأفغانية فكان التعاون بين الأخوان المسلمين وبين الجيش الأفغاني وقائده دستم الشيوعي ، مقابل أن يكون الرئيس محايدا فكان صبغة الله مجددي الصوفي المتشيع هو الرئيس ، وبعدها صار برهان الدين رباني الأخواني هو الرئيس ، ثم انقلب هؤلاء (المجاهدون) على بعضهم البعض وأخذوا يتصارعون على السلطة ودخلت البلاد في دوامة أخرى من دوامات الصراع التي تحمل نتيجتها البسطاء من الناس ، وعادت على البلاد بالتدمير والخراب ، ثم نشأ تنظيم القاعدة وكان قائده أسامة بن لادن ، ونشأ التنظيم بداية بالأفراد العرب الذين قاتلوا هناك ولم انتهى لأمر لم يكن لهم مأوى وكانوا مطلوبين لدى حكوماتهم فتكون هذا التنظيم ، ولم يجد مكان غير السودان حيث البشير الأخواني وبدأوا بعمل بينة تحتية لإنشاء دولة الخلافة هناك ومنها ينطلقون إلى باقي الدول ، لكن كان هذا مخالف للمخطط الصهيوي أوربي فقامت أمريكا بضرب مصنع الأدوية في السودان ، وكانت هذه الضربة يمثابة انذار ليعود الولد لحضن أبيه ، فقام البشير بطرد تنظيم القاعدة وأفراده ، فمنهم من رجع إلى أفغانستان ومنهم من ذهب للصومال ومنهم من ذهب لليمن ، ولكن في ظل الصراعات الأفغانية قامت حركة جديدة في أفغانستان وهي حركة طالبان وكان مجهز لها أيضا وأمدت من قبل باكستان المتأمركة وقاتلت كل الفصائل حتى استولت على أفغانستان وبقي جزء في الشمال يقطن فيه جيش الفصائل الأخرى وعلى رأسها جيش دستم الشيوعي . واستقبلت حركة طالبان تنظيم القاعدة وأوتهم في بلادها ، وبدأ التنظيم بالتنظير الفكري متمثلا في كبيرهم أيمن الظواهري وبدأ خروجهم عن أصول أهل السنة ، ورجعوا إلى عهدهم القديم وهو مناهضة الحكومات العربية والإسلامية ، فأنشأت الخلايا النائمة ، وبدأت حركة القطبيين في السعودية بالخطب الرنانة المشحونة بالتكفير والتضليل ، والحديث في السياسة ، وكان على رأسهم الشيخ سفر الحوالي والشيخ سلمان فهد العودة والشيخ ناصر العمر والشيخ عائض القرني ، فالتف الناس حولهم بكثرة ، حتى بدأوا غمزا في العلماء وهؤلاء تربية الشيخ محمد قطب أخو سيد قطب وكتبه مليئة بالتكفير للمجتمعات التي في ظنه أنها تحكم بغير ما أنزل الله وأنه لا حكومة على وجه الأرض كذلك .
لكن الحكومة السعودية أدركت الخطر مبكرا وتم القضاء على هذه الحركة القطبية التكفيرية ، وفي المقابل في مصر قامت الجماعة الإسلامية وقبلها جماعة عبد الله السماوي وجماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليوسف البدري باستخدام العنف في التعامل مع المجتمعات والحكومة ، لكن الأخيريتين انتهتا ، وبقيت الجماعة الإسلامية التي بلغت أوجها واستخدمت الاغتيالات سلاحا لها في الداخل والخارج . وتم قمعها بالقوة بعد فشل محاولات ردها عن هذا الفكر من خلال العلماء ، وقد صموا آذانهم عن نصيحة علماء الأمة ، وأتهموا كل من أنكر عليهم من العلماء بتهم تنفر اتباعهم من السماع إليهم .
وكمثل الأخوان الطريق إلى بيت المقدس يبدأ من القاهرة ، فلابد من تحرير القاهرة من الحكام الكفرة أولا وتطبيق شرع الله ثم اعلان الجهاد ضد دولة إسرائيل المحتلة !!!! (هذا على حد زعمهم) وكانت حجتهم : العدو الأقرب أولى بالقتال من العدو الأبعد
فالأنظمة الحاكمة في الدول الإسلامية هي العدو الأقرب ، والمحتلون لبلاد المسلمين هم العدو الأبعد !!!!! هل رأيتم جهلا مثل هذا ؟؟؟
وكان لابد من الحيلولة بين الشباب وبين علماء الأمة فنجد هذه التنظيمات تكفر علماء الأمة وتضللهم ، وكلام أيمن الظواهري في ذلك واضح وكلام غيره أيضا والمقام لا يتسع لذكر الأقوال .
وكانت جماعة الاخوان في مصر تتنصل من كل حركة عنف وتدعي أنها لا تنهج هذا النهج التكفيري وانها سير بطريقة سلمية ، حتى كان التعاون بينها وبين أفرادها مع السلطة الحاكمة متمثلة في أمن الدولة ، ثم هم يوهمون الناس أن أمن الدولة ضدهم وأنه يعذبهم وأنه يفعل بهم ويفعل ليستمر تعاطف السذج معهم من ناحية ، ومن ناحية أخرى يستمر بث العداء التاريخي ضد السلطة الحاكمة في أنفس هؤلاء .
وفي التسعينات بدأ تفكك دولة يوغسلافية وكانت النتيجة أن صار المسلمين في البوسنة والهرسك ألعوبة في يد الصرب الأرثوذكس والكروات الكاثوليك ، وحدثت مجازر تشيب لها الولدان تحت مرأى ومسمع المجتمع الدولي ، لأنه بالطبع عدو للإسلام والمسلمين ، وعندما تدخل مجموعة من المقاتلين في البوسنة من أفغانستان والشيشان وغيرها انتفضت أوربا وحلف الناتو وبدأ البحث عن مخرج للقضاء على هؤلاء ، ولم يكن أمامهم سوي الأخواني على عزت بيدوفتش فتعاون مع حلف الناتوا ضد هؤلاء مقابل أن يحكم هو البوسنة والهرسك مقابل أن تقسم ويكون نصيب المسلمين فيها 15% فقط . وهكذا ضاعت البوسنة أيضا على يد الأخوان . كما ضاعت أفغانستان .
وفي الجزائر استخدمت جماعات الأخوان السياسة والدخول في اللعبة السياسية ، والانتخابات ، ووصلوا إلى حصلوا على ما يقرب من 96%من الأصوات ، وفي لمح البصر انقلب عليهم الجيش وألغى الانتخابات ، وكانت االنتجية أن قابلوا هذا بالعنف والقتل ، وقتل ما يقرب من 200ألف غير الذين أصيبوا ولم تقم لهم قائمة .
ثم بدأ تنظيم القاعدة وفكره التكفيري بعمل استفذاذ ، أو قل سيرا وراء مخطط يريده الغرب ، وهو موضوع هدم تماثيل بوذا في أفغانستان ، وتدخلت الدول والعلماء ولم يجدوا آذانا صاغية من هؤلاء الذين لغوا عقولهم ، وتم هدم الأصنام وكان المقصود منه تحيييد أكثر من 800مليون نسمة ونقمتهم على المسلمين بدلا من تعاونهم معهم ضد المخطط الصهيوي أمريكي أوربي . والتقموا الطعم كعادتهم بجهلهم . ثم كانت الطامة الكبرى في تحطيم برجي التجارة العالمي في أميركيا ومما يؤسف له أن كل هذا مخطط صهيوني ، فهناك أكثر من 450يهودي يعملون في هذين البرجين لم يذهبوا هذا اليوم ، وصور الضرب من جميع الاتجاهات وكأنهم ينتظرون هذه الثانية ، وبعدها بنصف ساعة فقط يخرج وزير الخارجية الأمريكي (كولن بول) ويعلن أن تنظيم القاعدة وأسامة بن لادن هم وراء هذا الحادث !!!!
وهل يعقل أن يكتشف هذا في نصف ساعة ؟؟؟؟؟
وكانت النتيجة هي دك أفغانستان وتدميرها واحتلالها على يد الأمريكان والأوربيين بمعاونة الأخوان في الشمال . بقي مثلث الخليج العربي متمثلا في العراق والكويت وإيران والسعودية
وكان لابد من إنشاء تنظيم للقاعدة هناك ، ولكن هذه الحكومات كانت لهذا التنظيم بالمرصاد فكان لابد من ضرب العراق واحتيل عليها واحتلت العراق بمعاونة الشيعة والأخوان
ونشأ تنظيم القاعدة هناك ، وغيره من التنظيمات الجهادية لأنها الوسيلة الوحيدة لاستمرار القتل في الناس وإحداث الفوضى ، ولا تزال العراق إلى الآن لم تقم لها قائمة .
وكانت مصر وتونس وليبيا حصنا حصينا ضد هذه التنظيمات التكفيرية بسب قوة حكوماتها وجيوشها ، فكان لابد من إحداث الثورات العربية التي نجحت بأن يكون لهذه التنظيمات تواجدا في هذه البلاد ولها صوت يسمع ، ولكن نجح الجيش المصري والجيش التونسي باستيعاب المخطط ولم يصطدم أحد الجيشين مع الشعب . أما الجيش الليبي فانتهى أمره وتولد الجماعات التكفيرية المسلحة التي تهدد الحكومات .
وكان لابد من وصول الإخوان للحكم لتنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد ، وتفكيك البلاد ، ووصل الأخوان وثبت فشلهم وغباوتهم في إدارة البلاد لأنهم لم يكونوا يخرجون عن ما أعد لهم ، ونجح الجيش المصري في إفشال مخطط الاصطدام مع الشعب حين وافق على تعيين مرسي رئيسا ، وبدأ الأخوان في تنفيذ مخطط الصهيونية ففرطوا في حلايب وشلاتين ، وفي جزء من سيناء وفي تواجد تنظيمات القاعدة فيها ، حتى قامت ثورة يونيو مرة أخرى ، والجيش المصري لمرة الثالثة ينجح في إفشال مخطط الاصطدام مع الشعب ، وضحى بالإخوان ، وهنا ظهرت جماعة الأخوان المسلمين على حقيقتها ، وأنها ليست جماعة سلمية كما كانوا يصورون هذا للناس ويوهمون الشعوب ، بل هي جماعة دموية تاريخها دموية وأن كل الجماعات التكفيرية المسلحة الدموية خرجت من عبائتهم وهم لهم صلة بهم .
وجاء دور سوريا وقامت ثورة سوريا وقامت الجماعات التكفيرية هناك بما يقرب من 120فصيلا ، وكل فصيل يكفر الآخر . وسوريا إلى الآن أكثر من عامين وقد صارت خرابا ودمارا ، ما يقرب من اثنين مليون بين قتيل وجريح ، وما يقر من ستة ملايين نسمة مشردة ، ومن يمكث فيها لا يجد طعاما ولا دواء . وكل هذا لإعلاء كلمة الله !!!!! هل هذا يعقل ؟؟؟؟؟
وفي مالي احتلت التنظيمات التكفيرية المسلحة ما يقرب من نصف الدولة ، وفي غضون أربعة أيام بما يقرب من 300جندي فرنسي وثلاث طائرات وبعض الجنود الماليين شتتوا هؤلاء في الصحراء وكانت النتيجة على البسطاء من الناس .
وفي تونس يقوم هؤلاء بتكفير الحكومات وإعلان الحرب عليها بما يسمى بجماعة أنصار الشريعة . ويستخدمون الفتيات والنساء في مثل هذه المهزلة الكبرى .
وفي اليمن لا يزال القتل مستمرا رغم أنهم لم يصمدوا أمام جماعة الحوثي الرافضي .
وفي الصومال لم تقم للها قائمة إلى الآن وهم يقتلون الناس لأنهم يريدون إعلاء كلمة الله !!!!!
وبعد هذه الإطلالة السريعة على هذا التاريخ الدموي لهذه الجماعات يتساءل العقالاء :
الجهاد في سبيل الله يحقق نصرا فأين النصر الذي حققه هؤلاء في تاريخهم ؟؟
الدول التي تعادي الإسلام وتحتل أراضيه مثل إسرائيل أين هؤلاء من دولة اليهود المحتلة لبلاد فلسطين .
لماذا نسمع عن اغتيال مسؤول إسرائيلي أو أمريكي أو أوربي يظهر العداء للإسلام ؟؟؟ في حين نسمع عن اغتيالات للمسلمين في كل مكان .
هذا لأننا نصدق كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم : (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان).
ونحن ندعو كل عاقل من المسلمين أن يقرأ هذا المقال جيدا ويفكر فيه جيدا ويبحث فلسوف يجد الحقيقة المرة .