االحاكم ليس إلها في الإسلام
الحمد لله كفى وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى وبعد:
وقع كثير من الخلط عن كثير من الإسلاميين وخاصة السلفيين في مكانة الحاكم بالنسبة للأمة ، وهذا بسبب الفكر السعودي الحديث الذي سيطر على كثير من العلماء فكان الحاكم خطا أحمرا لا يجوز الاقتراب منه ولا نقده ولا الكلام عن التصرفات الخاطئة التي تصدر منه ، وهذا بسبب الدكتاتورية التي تسجها حكام العرب على شعوبهم ، وهذه الدكتاتوريات لا تخدم غير إسرائيل ومصالحها في الشرق الأوسط .
فلا يوجد جهة ما تحاكم الحاكم على خطأ ارتكبه في حق رجل من الشعب ، ولا في حق شعب بأكمله .
وهذا مخالف للإسلام وأصوله.
بل الحاكم في الإسلام ما هو إلا خادم لشعبه يسعى لتحقيق أمالهم ومصالحهم مقابل أن يكون له راتب يكفيه هو وأهله ، ولا يحق له أن يأخذ شيئا من أموال الشعب .
قال الدكتور وهبه الزحيلي في الفقه الإسلامي وأدلته (8/ 334):
علاقة الإمام الحاكم بالناس: تتحدد طبيعة هذه العلاقة بما يأتي:
1 - الإمام مستخلف عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعن خلفائه من بعده، فيتقيد بالكتاب والسنة.
2 - الإمام صاحب ولاية عامة على جميع من في دار الإسلام من مسلمين وذميين، فتصرفاته مقيدة بالمصلحة العامة.
3 - للإمام حق الإشراف والرقابة على جميع من دونه من الولاة والوزراء والقضاة فيما وكلَّهم فيه من خدمات.
4 - علاقة الإمام بالأمة أو بالرعية علاقة خادم أمين بمخدومه، فعليه توفير السعادة ونشر الأمن والرخاء للجميع وعليه التحلي بخصال الرحمة والإخلاص، دون إكراه ولا إضرار.اهـ
وللشعب حق محاكمة الحاكم على ما ارتكبه في حقه وفق الشرع أو القوانين العادلة في البلاد.
وهذا ما قرره الشرع
وليس هناك اعظم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر يمشي بين الصفوف لتعديلها ،وفي يده قدح ،فمرّض برجل خارج عن الصف فطعنه بالقدح في بطنه ليعتدل فقال الرجل ،وهو سواد بن زمعة ،لقد أوجعتني يا رسول الله وقد بعثك الله بالحق والعدل فاستخلص لي حقي منك ،فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : هذا بطني فاقتص منه :فاعتنقه الرجل ،وقبَّل بطنه ،فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم ما الذي دفعك إلى هذا يا سواد ؟ فقال : أحببت أن يكون آخر عهدي بالدنيا هو ملامسة جلدي لجلدك ،فدعا له رسول الله
انظر معرفة الصحابة لأبي نعيم (3/ 1404):
وهنا أجاز النبي صلى الله عليه وسلم أن يطالب احد الرعية بحقه من حاكمه وأن يقتاد منه كما فعل .
فهل هناك اعظم من ذلك ؟!!!
وهذا الخليفة الأول الصديق رضي الله عنه
روى ابن إسحاق عن أنس أنه لما بويع في السقيفة جلس الغد على المنبر فقام عمر فتكلم قبله فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الله قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول الله وثاني اثنين إذ هما في الغار فقوموا فبايعوه فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة بعد بيعة السقيفة ثم تكلم أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ما هو أهله ثم قال أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعيونني وإن أسأت فقوموني الصدق أمانة والكذب خيانة والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله تعالى لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمهم الله بالبلاء أطيعوني ما أطلعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.اهـ
فقد أقر الصديق هنا وأمر بمقاومته إذا وقع في خطأ . هذا هو الحاكم في الإسلام ، ولو كان مقاومة الحاكم وفق الضوابط الشرعية والمصلحية.
وهذا عمر رضي الله عنه يقول فيما رواه سفيان بن عيينة عنه : ( وأحب الناس إلي من إلي رفع عيوبي )
و هذا عمر بن الخطاب الفاروق يقول : إذا أحسنت فأعينونى ، وإذا أسأت فقومونى ! فيقول له سلمان : والله لو جدنا فيك اعوجاجا لقومناه بحد السيف ، فيقول عمر - راضيا لله -الحمد لله الذي جعل في رعية عمر من يقومه بحد سيفه ! !
فهل يأتي بعد ذلك من يقول غير ذلك إلا من أراد أن يؤله الحاكم كم يحدث في كثير من البلدان .
ومما يؤسف له أن هؤلاء يخلطون بين الخروج على الحاكم وبين اعتراضه ونقده ومحاكمته إذا أخطأ . وهذا له مجال آخر .