سيف النصر علي عيسى مدير عام
نقاط : 446 تاريخ التسجيل : 24/12/2009
| موضوع: الحوار لغة الأقوياء الأحد أبريل 12, 2015 10:33 am | |
| الحوار لغة الأقوياء
الكاتب : سيف النصر علي عيسى الحوار لغة الأقوياء ولا يتركه إلا ضعفاء الناس ، فهو من أكبر الوسائل لتجنب الاصطدام مع المخالف فلقد كانت دعوة الأنبياء حوارات وجدال وحجاج ، وقد أيدوا بالمعجزات لدحض جهالات الأغبياء ، وكسر كبرياء الجبابرة . فجادل نوح قومه فاستهزءوا به ، وحاج إبراهيم قومه فسخروا منه ، وحاور موسى بني إسرائيل فاستحبوا العمى على النور ، وكان المكر هو الوسيلة في بني إسرائيل على عيسى فرفعه الله إليه . ونجاه من بين أيديهم . ثم كان خاتم المرسلين ، وسيد الأولين والآخرين ، محمد النبي الأمين صلى الله عليه وسلم . فحاور وجادل وحاج وباهل ودعا بالحكمة والموعظة الحسنة . اللين درعه ، والصبر سلاحه ، والحوار الهادئ حرابه ، وقوة الحجة سهامه ، فأزهق كل باطل وأدمغه ، وأخرس ألسنة الفصاحة بمنطقه ، فكان آخر رسول لآخر أمة من الأمم وأكبرها وأوسطها وأخيرها . فمن عاند وكابر فليس له إلا حجة السيف والسنان ، بعد الحوار والجدال باللسان . وهكذا مضى محمد صلى الله عليه وسلم يقاوم سلطان العقل بالحجة والبيان يستنطق به كل عاقل لبيب ، ويُسْكتُ به كل ماكر لئيم . فلم يكن هناك مجال للغبي المتغطرس إلا قوة الردع والسلاح ، فيلوح به ويهدد في وجه كل من استجاب لهذا المنطق ولاح ، يخفي ضعفه وراء قوة بدنه ، وخواره أما جعجعة صوته ، وهكذا هي سنة الماضين بعد أن يعجز عن مقارعة الحجة بالحجة ، فهذا الفصيح اللئيم ، الذي استخف قومه بمنطقه وبراعته في الخطاب ماذا فعل مع موسى النبي الكريم حين دار بينهما الحوار ، وطلب فرعون تعريفه بربه ، وانقطعت حجته ، فقال في غضب وتكبر وغطرسة : {لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) }[الشعراء :29 ] . وهكذا كل جبار عنيد ، وكل متغطرس جهول . أهل المروءة والعقل ؛ هم أهل تواضع وحكمة ، لا يألون جهدا في الانقياد لما تقبله عقولهم الحكيمة ، غير محكمين شهواتهم في عقولهم ، يستجيبون للحق أينما كان ، وينصاعون له دون حرج أو هوان ، كالجمل الأنف إذا قيد انقاد ، وإذا نيخ استناخ ، عاره ترك الاستجابة لنداء العقل والحكمة ، وندمه لتفويته نصرة صاحب الحق . وقد نشأ النبي صلى الله عليه وسلم في بيئة فيها كل الأشكال ، فيها القوي المتغطرس ، والقوي العاقل ، والضعيف الحكيم ، والضعيف الغبي ، والضعيف البدن القوي القلب ، فاستجاب له أهل الحكمة والعقل ، وعاند أهل الغباء والجهل . وكانت الغلبة في النهاية لرسول الله وأصحابه ، وهذا جانب قد افتقدناه في زماننا أو كدنا نفتقده ، فأصبح الحوار مع المخالف مهانة عظيمة ، وسبة كبيرة ، وإن كان الكثير من هؤلاء من يعترف به أنه حق مبين لكن قلبه قد انطوى على الحقد الدفين ، إذا كان في الحوار مبتغاه وهواه ؛ أسرع إليه ولبى نداه ، وإن فيه كشف عواره وبيان جهله ، اعتزله وشنع عن مناديه . وما أحوجنا إلى الحوار في أيامنا هذه ، حيث صار البون بين أهل الحق شاسعا ، وتنافرت قلوبهم عن غير شئ ، كل يدعي الحق ويهرب من مناداة الحوار ، كل يدعي الصدق في قوله ، ويرفض إقامة البينات والسماع لأخيه . احكتر الدين لنفسه وحزبه ، من خالفه عدو مبين لدود ، وإن كان من أهل الفضل والمكانة ، ومن وافقه حبيب وصديق ، ولو كان من أهل الجهل والوقاحة ، نبتت نابتة وراءهم شعارهم الشتم والسب والوقاحة ، ورمي الناس بالعماية والضلالة ، لا هم لهم إلا فلان ضال ، وفلان مرجئ وفلان خوارج وفلان كذا ، وفلان كذا ، من وراء جدر يقاتلون ، وتحث ثوب العلماء يستترون ، وهم لهم مخالفون مباينون . وقع الكثير من أهل العلم والفضل في براثن هؤلاء ، والتفت عليهم شباكهم ، فلا يستطيعون الفرار ، لأنه يخافون من هذه الحثالة أن تقول فيهم مثل ما قلت في غيره ، وتفضح به مثلما فضحت بغيره ، بباطل أو حق يراد به باطل ، يسعون لكشف عورات الناس وفضحهم بالهمز والمقال . يقلبون الحق باطلا ، والباطل حقا ، يستنطقون العلماء وفق ما يهوون ، ويحرفون الكلام عن مواضعه كما يريدون . وقد وجدوا ضالتهم الشبكة العنكبوتية (الانترنت) ، أسماء وأوصاف وألقاب ، يتشكلون كالحيات ، ويأتون في كل لون . عند المواجهة هم كالسراب ، لا ترى منهم جواد ، ولا فارس إلا حمار ينفر الناس من صوته ، وهو يلقى التهم جزافا . نسأل الله تعالى أن ينجينا من شرورهم ، وأن يرفع غمتهم عنا ، فهم لأعداء الإسلام أعوانا ، ويدا وإن كانوا لا يعرفون . فإسقاط الرموز ، أو رفعه فوق منزلته ، خطة يهودية محكمة ، على مر التاريخ يلعبون بها ، ولا يفترون ، إذا فشلوا مرات ، نجحوا مرة ، وكانت هي المرة !! . فالحوار لغة الأقوياء الحكماء ، والفظاظة والجلافة لغة الضعفاء الأغبياء المتكبرين . فهيا بنا نقيم أواصر الحوار بيننا ، ونهدم تصدير الآراء والرمي بالعظائم ونرميها وراء ظهورنا ، لنقيم صرح أمتنا العظيمة ، ونستعيد الألفة إلى قلوبنا ، ونرجع المهابة في صدور أعداءنا بعدما وقعت في قلوبنا . وليس أعظم من الرجوع إلى سيرة أفضل البشر صلى الله عليه وسلم لنتعلم منها كيف كان يعامل غير المسلم ويحاوره ، وكيف كان يعامل المسلم الشارد ويلاطفه .
| |
|