سيف النصر علي عيسى مدير عام
نقاط : 446 تاريخ التسجيل : 24/12/2009
| موضوع: الغلو في الدين وأثره في الأمة الخميس أبريل 16, 2015 6:58 am | |
| الغلو في الدين وأثره في الأمة
الكاتب : أبوحسام الدين الطرفاوي
مما يؤسف له أن الإنسانية عانت كثيرا على مر العصور بسبب الغلو في الدين ، فسفكت دماء بحوار ، ونهبت أموالا ودمرت بلادا ، وهتكت أعراضا ، ولا يزال العالم يعاني من جراء هذه الظاهرة ، ويستغلها شياطين الإنس في إشعال النار بين الشعوب لتحقيق مكاسب غبية لا قيمة لها ولا وزن بجوار ما يحل من فساد من ورائها . ولذا أردت اقتصاص هذا المقال من كتابي (الغلو في التكفير ) والذي حاز على الجائزة الأولى من جماعة أنصار السنة المحمدية في مصر عام 2003م . أولا : معنى الغلو 1ـ معنى الغلو لغة : الارتفاعُ ومُـجاوَزة القَدْرِ فـي كلِّ شيء000 و غَلا فـي الدِّينِ والأَمْرِ يَغْلُو غُلُوّا ً: جاوَزَ حَدَّه . وفـي التنزيل : ( لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ )(النساء: من الآية171) ؛ 000 وقال بعضهم : غَلَوْت فـي الأَمر غُلوّاً وغَلانِـيَةً وغَلانِـياً إِذا جاوزْتَ فـيه الـحَدّ وأَفْرَطْت فـيه 0000 2ـ معناه في الاصطلاح وضابطه : قال الجصاص : هو مجاوزة حد الحق فيه .([1]) وقال الإمام أبو شامة : فكل من فعل أمرا موهما أنه مشروع وليس كذلك فهو غال في دينه مبتدع فيه قائل على الله غير الحق بلسان مقاله أو لسان حاله.أ ـ هـ([2]) وقال الشيخ سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبد الوهاب : قال العلماء : الغلو هو مجاوز الحد في مدح الشيء أو ذمه . وضابطه : تعدي ما أمر الله به ، وهو الطغيان الذي نهى الله عنه في قوله : ( وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي)(طـه: من الآية81).([3]) ثانيا : الغلو في الدين محرم في جميع الأديان قال تعالى : (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً) (النساء:171) قال الإمام ابن جرير الطبري : يعني جل ثناؤه بقوله : (يا أهل الكتاب) : يا أهل الإنجيل من النصارى . (لا تغلوا في دينكم ) يقول : لا تجاوزوا الحق في دينكم فتفرطوا فيه ولا تقولوا في الحق ، فإن قيلكم في عيسى إنه ابن الله قول منكم على الحق ؛ لأن الله لم يتخذ ولدا فيكون عيسى أو غيره من خلقه له ابنا (ولا تقولوا على الله إلا الحق) . وأصل الغلو في كل شيء : مجاوزة حده الذي هو حده يقال منه في الدين قد غلا فهو يغلو غلوا وغلا بالجارية عظمها ولحمها إذا أسرعت الشباب فجاوزت لذاتها يغلو بها غلوا وغلاء . أ ـ هـ([4]) وكذلك قوله تعالى : (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) (المائدة:77) قال الحافظ ابن كثير : لا تغلوا في الحق : أي لا تجاوزا الحد في اتباع الحق ، ولا تطروا من أمرتهم بتعظيمه فتبالغوا فيه حتى تخرجوه عن حيز النبوة إلى مقام الإلهية ، كما صنعتم في المسيح وهو نبي من الأنبياء فجعلتموه إلها من دون الله ؛ وما ذاك إلا لإقتدائكم بشيوخكم شيوخ الضلال الذين هم سلفكم ممن ضل قديما وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل أي : وخرجوا عن طريق الاستقامة والاعتدال إلى طريق الغواية والضلال.أـ هـ([5]) وقال تعالى : (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (هود:1121) فكل من خرج عن أمر الله أو رسوله فقد جاوز حده وهذا هو الغلو . والسنة : 1 ـ روى النسائي (3057) عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَاةَ الْعَقَبَةِ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ : هَاتِ الْقُطْ لِي فَلَقَطْتُ لَهُ حَصَيَاتٍ هُنَّ حَصَى الْخَذْفِ فَلَمَّا وَضَعْتُهُنَّ فِي يَدِهِ قَالَ : بِأَمْثَالِ هَؤُلاءِ وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ .([6]) 2 ـ وروى البخاري (3445) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ سَمِعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول لا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ) 3 ـ وروى البخارى (15881) عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَنْتَ سَيِّدُ قُرَيْشٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : السَّيِّدُ اللَّهُ فَقَالَ : أَنْتَ أَفْضَلُهَا فِيهَا قَوْلا وَأَعْظَمُهَا فِيهَا طَوْلا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لِيَقُلْ أَحَدُكُمْ بِقَوْلِهِ وَلا يَسْتَجِرَّنَّهُ الشَّيْطَانُ أَوْ الشَّيَاطِينُ . ثالثا : حكمة تحريم الغلو 1 ـ عدم التعدي على حق الله وحق الرسول إذ الغلو يقدح في حق الله وحق الرسول صلى الله عليه وسلم قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وكما أن الغلو في غير الرسول صلى الله عليه وسلم فيه قدح في منصب الرسول وما خصه الله به ، وهو أحد أصلي الإسلام ؛ فكذلك الغلو في غير الله فيه قدح فيما يجب لله من الألوهية وفيما يستحقه من صفاته ، فمن غلا في البشر أو غيرهم فجعلهم شركاء في الألوهية أو الربوبية فقد عدل بربه وأشرك به وجعل له ندا ، ومن زعم أن الله ذم أحدا من البشر أو عاقبه على ما فعله ولم يكن ذلك ذنبا فقد قدح فيما أخبر الله به وما وجب له من حكمته وعدله فالجاهل يريد تنزيه الصحابة أو العلماء أو المشايخ من شيء لا يضيرهم ولا يضرهم ثبوته فيقدح في الرسول أو في الله تعالى ويريد تنزيه الأنبياء عما لا يضرهم ثبوته ؛ بل هو رفع درجة لهم فيقدح في الربوبية . فتدبر هذا فإنه نافع . أ ـ هـ ([7]) 2 ـ الغلو يسبب تفرق المسلمين شيعا وأحزابا ، كما حدث عندما خرجت الخوارج والمعتزلة والصوفية والشيعة وغيرها من الفرق الغالية . وكما حدث في العصر الحالي بسبب الغلو في الجماعة أو الشيخ ، فأصبح المسلمون أشد فرقة وتنازع حتى أصحاب الدعوة الواحدة . 3 ـ أن الغلو يسبب سفك الدماء وانتهاك الأعراض وسلب الأموال تحت حجة الشرعية . كما حدث مع الخوارج عندما كانوا يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان . بحجة أن هؤلاء مرتدون وأؤلئك أهل كتاب . وكما فعل المعتزلة زمن المأمون والواثق في قتل كل من خالفهم في مسألة خلق القرآن . وكما فعل العبيديون عندما ملكوا البلاد . فتحريم الغلو فيه حقن للدماء وسلامة الأموال والأعراض . رابعا : من مظاهر الغلو 1ـ التشدد في الشرع والتشدد له مظاهر شتى : منها : تحريم ما أحله الله بدافع أخذ الحيطة والحذر دون مستند للشرع ومنها : التسرع في تكفير الناس بمجرد الوقوع في الكفر ومنها : عدم العذر بالجهل في الدين ومنها : تبديع الناس وتفسيقهم بمجرد الظن والهوى ومنها : الإسراف في الوضوء والغسل بدافع الإنقاء ومنها : ومنها الأخذ بالتشديد في مسألة وقع الخلاف فيها والإنكار على المخالف وتبديعه . ومنها : رمي العالم أو الداعية بمجرد الزلة تقع منه فلا يسمع له ولا يقرأ له ولا يثنى عليه بما هو أهله ومنها : محاسبة الناس على ترك النوافل والانتقاص منهم ومنها : روى البخاري (39) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلا غَلَبَهُ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيْءٍ مِنْ الدُّلْجَةِ ) قال الإمام ابن القيم : فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التشديد في الدين ؛ وذلك بالزيادة على المشروع ، وأخبر أن تشديد العبد على نفسه هو السبب لتشديد الله عليه إما بالقدر وإما بالشرع . فالتشديد بالشرع كما يشدد على نفسه بالنذر الثقيل فيلزمه الوفاء به ، وبالقدر كفعل أهل الوسواس فإنهم شددوا على أنفسهم فشدد عليهم القدر حتى استحكم ذلك وصار صفة لازمة لهم . قال البخاري : وكره أهل العلم الإسراف فيه يعني الوضوء وأن يجاوزوا فعل النبي . وقال ابن عمر رضي الله عنهما : إسباغ الوضوء الإنقاء . فالفقه كل الفقه الاقتصاد في الدين والاعتصام بالسنة . أ ـ هـ([8]) 2ـ ومن مظاهر الغلو التعصب للشيخ أو الجماعة وعقد لواء الولاء والبراء على مجرد الانتساب للشيخ أو الجماعة ، واعتقاد عدم وقوع الشيخ أو الجماعة في خطأ . 3 ـ تعظيم النصارى لنبي الله عيسى صلى الله عليه وسلم ورفعه إلى مرتبة الربوبية والألوهية ، أو جعلوه ابنا لله ، وكذلك تعظيم اليهود لعزير فجعلوه ابن الله . والإسلام الصحيح هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . فمن خالف ذلك فهو من أهل التطرف والغلو 4 ـ تعظيم فرق الشيعة على بن أبي طالب وآل البيت ورفعهم فوق منزلتهم 5 ـ تعظيم الصوفية للأولياء والصالحين ومن يظنوا فيه ذلك إلى مرتبة الربوبية والألوهية 6 ـ إفراط الخوارج في مسألة التكفير بالمعصية ، وجماعة التكفير في واقعنا المعاصر 7 ـ إفراط المعتزلة في خروج مرتكب الكبيرة من الإيمان والخروج على الحكام بالسيف فكل من تعد الحق وتجاوز حده إلى غير الهدى فهو من أهل الغلو
(1) أحكام القرآن للجصاص (3/281) ط . دار إحياء التراث العربي ـ بيروت (2) الباعث على إنكار البدع والحوادث( ص20، 21) ط .دار الهدي ـ القاهرة (3( تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد ص 265 . ط . مكتبة الرياض الحديثة ـ الرياض [4]) ) تفسير ابن جرير الطبري (6/34) ط . دار الفكر ـ عمان ([5]) تفسير القرآن العظيم للحافظ إسماعيل بن كثير الدمشقي (2/83) ط . دار الفكر ـ عمان (6) إسناده صحيح وقد أخرجه أحمد(1854) ، (3238) وابن ماجة (3029) من حديث أبي العالية عن ابن عباس به ([7]) رسالة في التوبة لشيخ الإسلام ابن تيمية (ص275، 276) ط . ([8]) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان لابن قيم الجوزية (1/131) | |
|