تابع الرد على الفقرة الأولى
ثم بعد ذلك قال أبو فهر : (الوالي ما استحق أن يكون كذَلك؛ إلا لقيامه بأمور المسلمين، وحراسة الدين ونشره، وتنفيذ الأحكام وتحصين الثغور، وجهاد مَن عاند الإسلام بعد الدعوة، ويوالي المسلمين ويعادي أعداء الدين! فإذا لم يحرس الدين، أو لم يقم بأمور المسلمين؛ فقد زال عنه حقُّ الإمامة..)
ونقول
قال هذا الكلام وليس بكلامه هو ثم أعاد الكلام كله مرة أخرى ، فما الفائدة من ذلك ؟
فقال : "وأما مَن عطَّل منهم -الحُكَّام- شرع الله ولم يَحكم به وحكَم بغيره؛ فهؤلاء خارجون عن طاعة المسلمين، فلا طاعة لهم على الناس؛ لأنهم ضيعوا مقاصد الإمامة التي من أجلها نُصِّبوا، واستحقوا السمع والطاعة وعدم الخروج!
ولأن الوالي ما استحق أن يكون كذَلك؛ إلا لقيامه بأمور المسلمين، وحراسة الدين ونشره، وتنفيذ الأحكام وتحصين الثغور، وجهاد مَن عاند الإسلام بعد الدعوة، ويوالي المسلمين ويعادي أعداء الدين! فإذا لم يحرس الدين، أو لم يقم بأمور المسلمين؛ فقد زال عنه حقُّ الإمامة، ووجب على الأُمة -مُتمثلة بأهل الحل والعقد الذين يرجع إِليهم تقدير الأمر في ذلك- خلعُه، ونصبُ آخر؛ ممن يقوم بتحقيق مقاصد الإمامة!
فأهل السنة عندما لا يُجوزون الخروج على الأئمة بمجرد الظلم والفسوق -لأن الفجور والظلم لا يعني تضييعهم للدين- فيقصدون الإمام الذي يحكم بشرع الله، لأن السلف الصالح لم يعرفوا إمارةً لا تحافظ على الدين، فهذه عندهم ليست إمارة" (الشيخ عبد الله بن عبد الحميد، في الوجيز في عقيدة السلف(. انتهى كلامه
فنقول
: إذا فليس الكلام كلامه من البداية ، وإنما كلام أعجبه فاقتطع منه عنوانا يدل على عقيدته ، ثم أتى ببعضه ، ثم أتى بالكلام كاملا ، وهل هذا منهج بحث وتأصيل وتوثيق؟؟؟!!!!
ولنا هنا وقفتان :
الأولى : من هو الشيخ عبد الله عبد الحميد ؟
هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ، هل نزل من السماء ليقرر ثم يأتي أبو فهر فيؤيد ما قرره على أن هذا هو دين الله تعالى الواجب اتباعه ؟
أم هو رجل اجتهد وقال واجتهاده غير ملزم ؟
فالصواب أن رجل اجتهد وقال واجتهاده غير ملزم ، لكن أبو فهر ألزم الناس بتقليده لغيره وهذا محض ضلالة ووقوع في عماية .
الثانية : أن أبا فهر قد أتى بكلام الرجل دون دليل شرعي واعتبره أصل من أصول الإسلام
يعني : وقع في التقليد أولا ، ثم جعل هذا التقليد أصلا .
وهذا بعينه الحكم بغير ما أنزل الله ويطبق عليه ما يطبق على الحاكم بما أنزل الله .
والتلقيد الأصل فيه الحرمه ولا يجوز إلا في مواضع وحالات . ولا يجوز أن المقلد غيره بتقليده
الثالثة : أنه لم يفرق بين كلام الرجل في أصل كتابه وبين كلامه في جواشيه ، فكان لازاما أن يكون أمينا في العزو . فالشيخ ذكر هذا الكلام في حواشي كتابه وليس في أصله .
الوقفة الرابعة : أن أبا فهر لم يذكر كلام الشيخ كاملا بل اقتطع منه ما يوافق هواه ، والكلام لا يكمل فهمه إلا بسابقه ولاحقه .
وهذا نص الكلام كاملا :
ذكر في الأصل حديث : (وقال: «إنهُ يُسْتَعمَلُ عَلَيْكُمْ أمَراءُ فَتَعْرفونَ وَتنكِرُون؛ فَمَن كَرِهَ فَقَدْ بَرئ، وَمَنْ أَنكَرَ فَقَدْ سَلمَ، وَلَكِنْ مَن رَضِيَ وَتابع» . قالوا: يا رسول الله! أَلا نُقاتلهم؟ قالَ: «لا؛ مَا صلوا»
ثم علق عليه في الحاشية بقوله :
واعلم أن من ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به، أو غلبهم بسيفه حتى صار خليفة، وجبت طاعته وحرم الخروج عليه. قال الإمام أحمد: (ومن غَلبَ عليهم- يعني الولاةَ- بالسيف حتى صار خليفة، وسمي أمير المؤمنين؛ فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيتَ ولا يراهُ إماما برا كان أو فاجرا) . " الأحكام السلطانية "، لأبي يعلى: ص23.
وقال الحافظ في الفتح: (وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتَغلب، والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه؛ لما في ذلك من حقنِ الدماء، وتسكين الدهماء) ج 13، ص9.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وقل من خرج على إِمام ذي سلطان؛ إِلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير) منهاج السنة ج 2 ص241.
وأما من عطل منهم شرع الله ولم يحكم به وحكم بغيره؛ فهؤلاء خارجون عن طاعة المسلمين فلا طاعة لهم على الناس؛ لأنهم ضيعوا مقاصد الإمامة التي من أجلها نُصبوا واستحقوا السمع والطاعة وعدم الخروج، ولأن الوالي ما استحق أن يكون كذَلك إلا لقيامه بأمور المسلمين، وحراسة الدين ونشره، وتنفيذ الأحكام وتحصين الثغور، وجهاد من عاند الإسلام بعد الدعوة، ويوالي المسلمين ويعادي أعداء الدين؛ فإذا لم يحرس الدين، أو لم يقم بأمور المسلمين؛ فقد زال عنه حق الإمامة ووجب على الأُمة- متمثلة بأهل الحل والعقد الذين يرجع إِليهم تقدير الأمر في ذلك- خلعه ونصب أخر ممن يقوم بتحقيق مقاصد الإمامة؛ فأهل السنة عندما لا يجوزون الخروج على الأئمة بمجرد الظلم والفسوق- لأن الفجور والظلم لا يعني تضييعهم للدين- فيقصدون الإمام الذي يحكم بشرع الله؛ لأن السلف الصالح لم يعرفوا إمارة لا تحافظ على الدين فهذه عندهم ليست إمارة، و (إنما الإمارة هي ما أقامت الدين ثم بعد ذلك قد تكون إمارة بَرة، أو إِمارة فاجرة. قال علي بن أَبي طالب رضي الله عنه: " لا بد للناس؛ من إِمارة برة كانت أو فاجرة، قيل له: هذه البرة عرفناها فما بال الفاجرة؟! قال: يُؤمن بها السبُل وتُقام بها الحدود ويُجاهد بها العدو ويُقسم بها الفيء) " منهاج السنة، لابن تيمية: ج 1 ص146. انتهى كلام الشيخ عبد الله عبد الحميد
فهنا نرى جليا واضحا أن أبا فهر قد أخذ من الكلام ما يوافق هواه وجعله أصلا ، وهو مخالف لما هو الصواب . فأين التوثيق يا أبا فهر هنا ؟؟؟ أليس هذا تدليسا ؟
ثم أراد أن يزيد من تدليسه على الناس بكلمة توثيق فقال أبو فهر :
(وقال الشيخ في مقدمة كتابه هذا، وكان من فضل الله تعالى أَن اجتمع على قراءة الكتاب وتقويمه في طبعته هذه: فضيلة الشيخ العلامة عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين رحمه الله، وفضيلة الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان، ومعالي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، وفضيلة الشيخ الدكتور ناصر بن عبد الكريم العقل شكر، الله لهم وأَثابهم، ونفع بعلمهم..)
ونقول :
أولا : هذا من التدليس على الناس من الإيهام بأن هؤلاء الذين ذكرهم موافقون على هذا الكلام لأنهم قد اطلعوا عليه .
ثانيا : ونحن نسأل : هل لعلماء هؤلاء اطلعوا على الأصل والحواشي ؟ أم على الأصل فقط ؟
فقد يزيد صاحب الكتاب كلاما بعدما يطلع عليه العلماء ويذكرها في حواشيه .
ثالثا : وقد لا يطلع العلماء على كل الكتاب بل على بعضه ولثقتهم في الشخص يقررونه وهذا كثير جدا وموجود .
رابعا : هؤلاء العلماء لو فرض أنهم موافقون على هذا الكلام ، هل هم رسل؟ هل هم اجماع الأمة ؟ هل نزلوا من السماء ؟ أم أنهم يصيبوا ويخطئوا مثل غيرهم ؟
خامسا : وهذه هي الطامة
أن الكاتب والعلماء الذين قرروا كتابه ليس منهجهم منهج أبي فهر ، وإنما مخالف تماما لمنهجه .
فيقول الشيخ عبد الله عبد الحميد في كتابه :
الوجيز في عقيدة السلف الصالح أهل السنة والجماعة (1/ 161)
وأَهل السنة والجماعة: يرون الصلاة والجُمَع والأَعياد خلف الأُمراء والولاة، والأَمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد والحج معهم أَبرارا كانوا أَو فجارا، والدعاء لهم بالصلاح والاستقامة [ ثم يعلق على هذه الجملة في الحاشية بقوله : الدعاء لولاة الأمور بالصلاح والاستقامة والهداية من طريقة السلف الصالح. قال الإمام الفضيل بن عياض رحمه الله: (لو كان لي دعوة ما جعلتها إلا في السلطان، فأمِرنا أن ندعو لهم بالصلاح ولم نؤمر أن ندعو عليهم، وإن جاروا وظلموا؛ لأن ظلمهم وجورهم على أنفسهم وصلاحهم لأنفسهم وللمسلمين) . ولأن في صلاحهم صلاح الأمة. وقال الحسن البصري رحمه الله: (اعلم- عافاك الله- أن جور الملوك نقمة من نقم الله تعالى، ونقم الله لا تلاقى بالسيوف، وإنما تُتقى وتُستَدفع بالدعاء والتوبة والإنابة والإقلاع عن الذنوب، إن نقم الله متى لقيت بالسيف كانت هي أقطع. وقيل: سمع الحسن رجلا يدعو على الحجاج، فقال: لا تفعل- رحمك الله- إنكم من أنفسكم أوتيتُم، (إنما نخاف إِن عُزلَ الحجاجُ أو مات أن تليكم القردة والخنازير) " آداب الحسن البصري " لابن الجوزي، ص119.]
، ومناصحتهم [ثم يعلق على هذه في الحاشية بقوله : قال الإمام النووي رحمه الله: (وأما النصيحة لأئمة المسلمين؛ فمعاونتهم على الحق، وطاعتهم فيه وأمرهم به، وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف، وإعلامهم بما غفلوا عنه) . شرح صحيح مسلم: ج 2، ص241.]
إِذا كان ظاهرهم صحيحا، ويُحرمون الخروج عليهم بالسيف إِذا ارتكبوا مخالفة دون الكفر، والصبر على ذلك لأَمره - صلى الله عليه وسلم - طاعتهم في غير معصية ما لم يحصل منهم كفر بواح، وأَن لا يقاتلوا في الفتنة، وقتال من أَراد تفريق أَمر الأُمة بعد الوحدة. انتهى كلام الشيخ عبد الله عبد الحميد
فنرى أبا فهر قد بلغ من التدليس والتلبيس ما بلغ من وضع الكلام في غير موضعه ، وقطعه وبتره على حسب ما يوافق هواه
ثم نريد أن ننبه أنه أصل أصله هذا الفاسد ، ولم يأت بدليل واحد لا من الكتاب ولا من السنة ولا فهم السلف عليه . وهذا إذا دل فإنما يدل على أن الرجل لا ينظر في أصول الدين لكي يأخذ منها من تدل عليه من اعتقاد وعمل ، بل يأصل بهواه بحسب ما يترآى له من فهم .