فوائد من الاستعاذة
أبوحسام الدين الطرفاوي
(أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)
1ـ أعوذ : من الفعل الماضي: عوذ ، بمعنى لاذ به واعتصم ، واسْتَعَاذَ به : لجأ إليه ، وهو عِيَاذُه : أي ملجؤه . والفعل المضارع يفيد الاستمرار
فهو من اللجوء ، والملاذ ، والاعتصام ، وطلب الحماية .
والتعاويذ : هي التي تكتب وتعلق على الإنسان من العين والسحر([1]) ، وكذلك اسمها : المعاذات .
والمعوذتان : هما سورتي "قل أعوذ برب الفلق " و"قل أعوذ برب الناس "
فالاستعاذة لها معان :
المعنى الأول : اللجوء والاستجارة لدفع مكروه
يقال : عذت بفلان واستعذت به ؛ أي لجأت إليه ، وهو عياذي ؛ أي ملجئي
كما في حديث عبد الله بن عمر قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (من استعاذ بالله فأعيذوه ... ) الحديث([2])
والمعنى الثاني : الرقية .
فالعُوذةُ والـمَعَاذَةُ والتَّعْوِيذُ : الرُّقـية يُرْقـى بها الإِنسان من فزع أَو مرض لأَنه يعاذ بها.
والمعنى الثالث : الالتصاق :
يقال : يقال: «أطيب اللحم عوذه» وهو ما التصق منه بالعظم
2ـ بالله : أي ألجأ إلى الله تعالى مستجيرا به
3ـ الشيطان
من الفعل : شطط ، أو شط ، أي : بَعٌدَ
الشَّاطِنُ : البَعيد من الحقّ
فكل من بَعُدَ عن طاعة الله وغلب شره خيره سمى شيطانا ، وكل ما أبعد الإنسان عن طاعة الله وذكره وشغله بالمعاصى والذنوب كان شيطانا. فالشيطان : هو كل متمرد من الجن والإنس والدواب وغيرها .
قال تعالى : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} [الأنعام: 112] .
وروى أبو داود عن أبى هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلا يتبع حمامة فقال « شيطان يتبع شيطانة ».([3])
قال السفيري الشافعي المتوفي سنة 956هـ :
وهو محمول على إدمان صاحب الحمام على طيرانه والاشتغال به، والارتقاء بسببه إلى السطوح التي يشرف منها على بيوت الجيران وحرمتهم لأجله، وسمى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحمام شيطاناً لأنه لا يكاد يخلو من عصيان العاصي يقال له: شيطان قال تعالى : {شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ} [الأنعام: 112].اهـ([4])
وركب عمر بن الخطاب رضي الله عنه بِرذَوْنًا فجعل يتبختر به ، فجعل يضربه فلا يزداد إلا تبخترًا ، فنزل عنه ، وقال : ما حملتموني إلا على شيطانٍ! ما نزلت عنهُ حتى أنكرت نَفسي.([5])
4ـ الرجيم
وهو فعيل بمعنى مفعول . أي مرجوم
وأصل الرجم الرمي بالحجارة ، وقد رجمته أرجمه، فهو رجيم ومرجوم.
والرجم: القتل واللعن والطرد والشتم ([6])
ومنه قول أبي إبراهيم لإبراهيم عليه السلام : {أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ} [مريم: 46]
وقال الله تعالى عن الشيطان : {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ } [الحجر: 34]
5ـ معنى الاستعاذة مجملة وهي : إني ألجأ إلى الله سبحانه وتعالى وأستجير واعتصم به من شر هذا الشيطان المطرود من رحمة الله نتيجة بعده عن طاعة الله واستكباره على شرعه ، فهو يكيد للإنسان ليصل إلى ما وصل إليه هو من الكفر .
6ـ من فوائد الاستعاذة :
قال ابن كثير رحمه الله :
ومن لطائف الاستعاذة أنها طهارة للفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث، وتطييب له وتهيؤ لتلاوة كلام الله ، وهي استعانة بالله واعتراف له بالقدرة وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطني الذي لا يقدر على منعه ودفعه إلا الله الذي خلقه، ولا يقبل مصانعة، ولا يدارى بالإحسان، بخلاف العدو من نوع الإنسان كما دلت على ذلك آيات القرآن في ثلاث من المثاني، وقال تعالى: { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلا } [الإسراء: 65]، وقد نزلت الملائكة لمقاتلة العدو البشري يوم بدر، ومن قتله العدو البشري كان شهيدًا، ومن قتله العدو الباطني كان طرِيدًا، ومن غلبه العدو الظاهر كان مأجورًا، ومن قهره العدو الباطن كان مفتونا أو موزورًا، ولما كان الشيطان يرى الإنسان من حيث لا يراه استعاذ منه بالذي يراه ولا يراه الشيطان.([7])
[1] وهذه مسألة فيها تفصيل عند أهل العلم ، فما تحويه هذه التعاويذ من شرك فهو حرام باتفاق ، وما تحويه من أدعية وآيات ففيها خلاف في جوازها وكراهتا وإباحتها .
[2] سنن أبى داود (2/ 52)
[3] سنن أبى داود (4/ 440) وسنده صحيح
[4] شرح البخاري للسفيري المسمى" المجالس الوعظية في شرح أحاديث خير البرية" (1/ 321)
(5) صحيح أخرجه ابن جرير في تفسيره (ج 1 / ص 111) وصححه ابن كثير في تفسيره
(6) تفسير القرطبي - (ج 1 / ص 90)
(7) تفسير ابن كثير - (ج 1 / ص 114)