آداب وضوابط النقد والنصيحة
الكاتب : أبوحسام الدين الطرفاوي
روى مسلم عن تميم الداري أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «الدين النصيحة» قلنا: لمن؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم»
قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله النصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح له ومعنى الحديث عماد الدين وقوامه النصيحة كقوله الحج عرفة أي عماده ومعظمه عرفة (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) أما النصيحة لله تعالى فمعناها منصرف إلى الإيمان به ونفي الشريك عنه وحقيقة هذه الإضافة راجعة إلى العبد في نصح نفسه فالله سبحانه وتعالى غنى عن نصح الناصح وأما النصيحة لكتابه سبحانه وتعالى فالإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله لا يشبهه شيء من كلام الخلق والعمل بمحكمه والتسليم لمتشابه وأما النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتصديقه على الرسالة والإيمان بجميع ما جاء به وأما النصيحة لأئمة المسلمين فمعاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وأمرهم به والمراد بأئمة المسلمين الخلفاء وغيرهم ممن يقوم بأمور المسلمين من أصحاب الولايات وأما نصيحة عامة المسلمين وهم من عدا ولاة الأمور فإرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم]
لكي تحقق النصيحة ثمارها المرجوة لا بد من أن تُحَاط بالآداب والضوابط التالية:
أولاً: تحديد موضع وموطن الخلاف أو المخالفة التي تحتاج إلى نقدٍ أو نصيحة .. وتحديد نوعها وحجمها .. هل هي موجودة أولاً أم لا .. وإن كانت موجودة .. هل هي من الأصول أم من الفروع .. وهل لها مساس بالعقيدة والتوحيد .. أم أنها تتعلق بالمعاملات وبعض التطبيقات العملية الفقهية .. وهل هي من الخلاف السائغ أم من الخلاف الغير سائغ .. وهل يُستساغ فيها الاجتهاد ومن ثمَّ الاختلاف أم لا .. ثم ما هو حجم أثر هذه المخالفة على المخالف ذاته، وعلى الناس والمجتمع من حوله ..؟؟
ثانياً: الدراية بالنصوص الشرعية ذات العلاقة بالداء، وواقعه .. التي تشخّص الدواء والعلاج
ثالثاً: التزام العدل، والإنصاف في النقد أو الشهادة، فيُشهَد على المحسن بأنه محسن، وعلى قدر ما عنده من إحسان، وعلى المسيء بأنه مسيء، وعلى قدر ما عنده من إساءة .. ومن غير زيادة ولا نقصان.
فلا يمنعنَّا خطأ وقع به شخص ما أن ننصف الحق منه .. وأن نبين خطأه فيما قد أخطأ فيه .. وفي نفس الوقت ننصفه، وننصف ما عنده من حق وخير .. حتى لو كان كافراً أو عدواً .. أو كان ممن لا نُحِب
رابعاً: التزام الاعتدال والمنهج الوسطي في الحب والكره، والموقف من الآخرين .. المنافي للإفراط أو التفريط .. والزيادة أو النقصان .. الاعتدال الذي يربأ بصاحبه عن الغلو والمبالغة في الإطراء أو النقد والذم.
خامساً: توخي المصلحة الراجحة من وراء النقد والنصح؛ فينصح الناصح حيث يتوقع المصلحة الراجحة من نصحه، فإن رجح لديه العكس .. وأن نصيحته قد تأتي بمفاسد أو بنتائج سلبية .. أمسك وتوقف، وأرجأ نصحه إلى حينٍ آخر
سادساً: أن يكون الناصحُ مخلصاً وصادقاً في إرادة الإصلاح، وأن يُشعر المنصوح أنه يحب له الخير، مُشفق عليه، وأنه لم ينصحه إلا لرغبة إيصال الخير له، وإبعاد الشرِّ عنه
سابعاً: اجتناب السباب والفحش في القول، وعبارات التحقير والتصغير .. والتجريح الشخصي .. عند نقد الآخرين، وبذل النصائح لهم .. فهو أدعى لقبول النصائح والإصغاء إليها .. كما أن تخليل النصائح أو النقد بعبارات الطعن والسب، والتجريح الشخصي .. يكون أدعى للنفور، وعدم الإصغاء لنصائح أو كلمات الناصح.
ثامناً: النصيحة منها ما يكون سراً بين الناصح والمنصوح، ومنها ما يكون علناً وعلى الملأ .. والناصحُ الذي يبتغي الإصلاح عليه أن يُحسن التمييز بينهما، ويُعطي كل حالة منهما حقها .. وما يُناسبها من النصح .. وإلا وقع في الظلم والعدوان ولا بد .. وهذا يستدعي منا أن نبين ـ بإيجازٍ ـ صفة الذي يُنصَحُ سِراً، وصفة الذي يُنصَح علَناً.
تاسعاً: التزام خُلق الرفق، واجتناب العنف والشدة في النصح والنقد؛ فالرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نُزع من شيء إلا شانه .. به تتآلف القلوب وتتحد وتتحاب .. وبخلافه تتنافر القلوب وتتدابر وتتفرق .. والله تعالى رفيق يحب الرفق، ويجزي عليه مالا يجزي على العنف والشدة
عاشراً: من الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها الناصح كذلك التواضع، والذِّلَّة للمؤمنين، وأن لا يتصرَّف باستعلاء وكِبر عند ممارسة عملية النقد والنصح للآخرين .. فهو أدعى لقبول النصيحة، والإصغاء إليها!
حادي عشر: إذا نصحت فلا تملَّنَّ الناسَ نصيحتَك .. واحذَر التطويلَ الممل، والاختصار المُخل .. وإذا حدَّثت استفهم وأفْهِم .. واجتنب المتشابه من القول ما استطعت .. حتى لا تزيدَنَّ المسائل غموضاً وإشكالاً .. فينفض عنك الناسُ وهم أكثر تشوشاً وجهلاً مما كانوا عليه قبل مجالستك والاستماع إليك .. فتؤذي من حيث تظن نفسك محسناً .. وحَدِّث والناس لحديثك راغبون مقبلون .. فإن أدبروا وتبرَّموا .. وأظهروا سآمة من حديثك فأمسِك .. فالعلم دررٌ .. لا ترميه في أي مكان .. وعند من لا يقدر له قدراً.
ثاني عشر: أن يتعاهد الناصح نفسه بالمراقبة والنصح، فلا يزكي نفسه على الله، ولا ينسى حظها من المراقبة والنقد والنصح والمساءلة .. ففي ذلك النجاة والسلامة لنفسه؛ إذ لنفسه عليه حقاً .. كما أن للآخرين عليه حقَّاً .. وهو أدعى للتواضع .. وأن يتوسع في إقالة عثرات الآخرين .. وأن لا يتفاخر عليهم