حوار
طرق الباب ... انتفض أيمن .. زاغت عينه عن الكلمات التي انتهى إليها بصره في كتابه الذي بين يديه .. نظر من وراء نظارته ناحية الباب وقد امتعض ضجرا من الطارق ... ملأ فمه بزفيره ثم أطلقه دفعة واحدة ... قام يجرجر في نفسه ناحية الباب مكرها .. بعدما خلع نظارته .. يطوح رأسه يمنا وشمالا ... وضع يده على مقبض الباب بضيق وكسل .. جبذه ناحيته ... حملق في ابتسامة مصطنعة خبيثة :
محمد !! .. تفضل ...
يبتعد عن الباب ليفسح الطريق قائلا : قطعت عليَّ قراءاتي ... بعدما استبد بي الشوق .. وشحذت عزيمتي في الانتهاء من هذا الكتاب .
دخل محمد قائلا :
وما هو كتابك الذي يستحق منك كل هذا ؟
قال أيمن : كتاب يحتاج إليه كل من يرغب في الحقيقة .... كتاب يدور حول فقه الحوار بين الناس .... لو علم الناس هذا العلم لاستراحت النفوس .. من عناء الأحقاد .. من نار الفرقة بين الأحباب ... (ينظر بعيدا من نافذة ) نحن أيها الأخ الكريم نعيش اليوم في ضياع ... ضياع نحن نصنعه بأيدينا ... نكذب على أنفسنا أننا نحبه ... نهون من نكستنا ... بأننا نغضب لله .... آهِ من الكذب .
قال محمد وهو يحاول أن يجد تفسيرا لحالة صاحبه هذه : لقد جرك الكتاب إلى بعيد .
فالتفت إليه بابتسامة ساخرة : كلا يا أخي .... بل أيقظ فيَّ الإنسان .... أزال الغمامة من على عيني .. كنا نظن أننا على حق في خلافنا مع غيرنا وتعصبنا عليه وغضبنا منه ...
قاطعه محمد : كيف ؟ وهل معنى ذلك أنك تترك ما أنت عليه ؟
ـ لا لا .. لا تظن بي ذلك ... فأنا اليوم أترك ما كنت عليه من جهل .
ـ وكيف ؟
إن الحوار بين طرفين مختلفين في قضية لابد وأن يكون بعيدا عن التعصب وفرض الأراء على الخصم . .. وإذا نظرنا إلى كتاب الله عزوجل نجد لغة الحوار غير التي نسير عليها نحن .
لننظر مثلا إلى الحوار الذي دار بين إبراهيم وبين النمرود ... ليست القضية التي اختلفوا فيها هل النقاب واجب أم مستحب ، هل النزول على الركبة أم على الأيدي في السجود .. لا بل قضية وجود الإله . .. من هو الإله الذي يستحق أن يعبد .. النمرود .. أم غيره .. لننظر إلى الكلمات وهي تنساب كقطرات الماء البارد في يوم .. قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (البقرة:258)
لم يقل له إبراهيم . كفرت يا لعين ! لم يقل له أنت طاغوت من الطواغيت بالرغم أن كل صفات السوء فيه . لكن الفكر لا يهزمه إلا الفكر
نكس محمد رأسه في الأرض .. وقد سالت دموعه على لحيته ... ثم رفع رأسه إلى صاحبه وأخيه قائلا : نحن فعلا كنا حمقى ... كنا نظن العلم في أنفسنا . ولكن بهذه الكلمات عرفت أني كنت على جهل .. بل والكثير الكثير على هذا . فكيف السبيل ؟؟؟؟!!!!