موقع الشيخ سيف النصر علي عيسى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

موقع الشيخ سيف النصر علي عيسى

موقع يهتم بالعقيدة الإسلامية والفقه والأخلاق والدفاع عن العلماء
 
الرئيسيةالبوابةالأحداثأحدث الصورالتسجيلدخول

مرحبا بكم في موقع الشيخ سيف النصر علي عيسى
ننبه الأخوة الزوار أن الإعلاانات التي بأعلى الصفحة وبأسفلها المنتدى برئ منها ، وهذا لأن المنتدى مجانا
المواضيع الأخيرة
» قواعد مهمة في علم الجرح والتعديل
قواعد مهمة في علم الجرح والتعديل Emptyالإثنين مارس 11, 2024 5:05 am من طرف سيف النصر علي عيسى

» نقد كتاب الصارم البتار للشيخ وحيد عبد السلام بالي
قواعد مهمة في علم الجرح والتعديل Emptyالإثنين مارس 11, 2024 4:46 am من طرف سيف النصر علي عيسى

» التعليقات المختصرات على كتاب الورقات في أصول الفقه
قواعد مهمة في علم الجرح والتعديل Emptyالأحد مارس 10, 2024 9:34 am من طرف سيف النصر علي عيسى

» بيان حال حديث وكان به لمم
قواعد مهمة في علم الجرح والتعديل Emptyالسبت مارس 09, 2024 3:49 pm من طرف سيف النصر علي عيسى

» بدع وضلالات الدجالين والمشعوذين مدعي الرقية الشرعية فاحذروها
قواعد مهمة في علم الجرح والتعديل Emptyالسبت مارس 09, 2024 7:00 am من طرف سيف النصر علي عيسى

» قواعد شرعية في فهم الملة الإسلامية
قواعد مهمة في علم الجرح والتعديل Emptyالجمعة مارس 08, 2024 6:25 am من طرف سيف النصر علي عيسى

» تبصير العقول بشرح كتاب المأمول من لباب الصول في أصول الفقه
قواعد مهمة في علم الجرح والتعديل Emptyالجمعة مارس 08, 2024 2:58 am من طرف سيف النصر علي عيسى

» معرفة معنى أصول الفقه وما يترتب من أحكام
قواعد مهمة في علم الجرح والتعديل Emptyالخميس مارس 07, 2024 3:26 pm من طرف سيف النصر علي عيسى

» متن المنظومة البيقونية في علم الحديث
قواعد مهمة في علم الجرح والتعديل Emptyالخميس مارس 07, 2024 2:58 pm من طرف سيف النصر علي عيسى


 

 قواعد مهمة في علم الجرح والتعديل

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سيف النصر علي عيسى
مدير عام



ذكر نقاط : 446
تاريخ التسجيل : 24/12/2009

قواعد مهمة في علم الجرح والتعديل Empty
مُساهمةموضوع: قواعد مهمة في علم الجرح والتعديل   قواعد مهمة في علم الجرح والتعديل Emptyالإثنين مارس 11, 2024 5:05 am

قواعد مهمة في علم الجرح والتعديل
كتبها
سيف النصر علي عيسى

اعلم أن الجرح والتعديل هو الميزان الذي يوزن به رجال الحديث بل وكل من تصدر بالكلام في هذا الدين   وذلك حتى لا يختلط الطيب بالخبيث ولا يترك المجال لكل أحد يتكلم في دين الله على حسب ما يرى ويهوى والله تبارك وتعالى قد حفظ دينه من تحريف المبطلين وانتحال الغالين فقال سبحانه:﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾[الحجر: 9]   ولذلك استثنى العلماء من الغيبة التكلم في الرجال جرحاً وتعديلاً، لأن المصلحة من تبيين أخطاء المخطئين أعلى وأقوى من مصلحة حفظ هؤلاء بالغيب. وان المفسدة المدفوعة من الكلام فيهم أقوى من مفسدة المتكلم فيهم بالغيب.

واعلم أن أئمتنا تكلموا في الرواة جرحاً وتعديلاً ذبا عن سنة رسول الله r فاختلفت آراؤهم فمنهم من أجمعوا على عدالته وضبطه ومنهم من أجمعوا على جرحه، وفريق ثالث اختلفوا فيه ما بين مجرِّح ومعدًلٍ، وهؤلاء على أصناف:

الصنف الأول: من غلب فيه جانب التعديل على الجرح.

الصنف الثاني: من غلب فيه جانب الجرح على التعديل.

الصنف الثالث: من تساوى فيه الجرح والتعديل.

الصنف الرابع: من كان الجرح فيه شاذًا.  

وإذا كان الخلاف وقع في ناحية الجرح والتعديل فقد وقع الخلاف في صيغة الجرح والتعديل؟ فمن الرواة من كان جرحه خفيفاً ومنهم من كان جرحه شديدًا وذلك بحسب معرفتهم بالراوي.

وكذلك اختلف العلماء في مسألة الجرح والتعديل ما بين متساهل ومتشدد ووسط، وقد يقع من المتساهل تشدد في راوٍ ثقة في حين يقع من المتشدد تساهل في راوٍ به جرح واضح، وهكذا، فلا يستطيع عالم أو طالب علم الحكم على هذا الصنف إلا إذا سبر أقوال العلماء والوقوف عند كل لفظة ومقصد الإمام من هذه اللفظة ولا يحكم على لفظ إمام بمقصد إمام آخر حتى لا يقع في التناقض، وكذلك يراعي الأسباب والأحوال التي قال فيها الإمام كلمته في الراوي حتى يستطيع في النهاية أن يصل إلى علم صحيح بعيدًا عن الهوى.

ولذلك آثرت أن اقطف في هذا التمهيد بعض من قواعد أهل العلم من ثمار بساتينهم اليانعة.


القاعدة الأولى
من يقبل منه جرح أو تعديل


قال الحافظ ابن حجر في " نخبته ":

" وتقبل التزكية من عارف بأسبابها ولو من واحد على الأصح " اهــ([1])

ثم شرح هذه القاعدة فقال رحمه الله:
تقبل التزكية من عارف بأسبابها لا من غير عارف لئلا يزكي بمجرد ما يظهر له ابتداء من غير ممارسة واختبار. ولو كانت التزكية صادرة من مزك واحد على الأصح، خلافاً لمن شرط أنها لا تقبل غلا من اثنين، إلحاقاً لها بالشهادة في الأصح أيضاً.

والفرق بينهما أن التزكية تُنَزَّل منزلة الحكم، فلا يشترط فيها العدد، والشهادة تقع من الشاهد عند الحاكم فافترقا، ولو قيل: يفصَّل بين ما إذا كانت التزكية في الراوي مستندة من المزكي إلى اجتهاده، أو إلى النقل عن غيره لكان متجهاً، لأنه إن كان الأول؛ فلا يشترط العدد أصلاً؛ لأنه حينئذ يكون بمنزلة الحاكم.

وإن كان الثاني، فيجري فيه الخلاف، ويتبين أنه ـ أيضًا ـ لا يشترط العدد؛ لأن أصل النقل لا يشترط فيه العدد فكذا ما تفرغ عنه، والله اعلم.

وكذا ينبغي أن يقبل الجرح والتعديل إلا من عدل متيقظ فلا يقبل جرح من أفرط فيه مجرح بما لا يقتضي رد حديث الحدث.

وقال الذهبي (المتوفى:748 هـ) ـ وهو من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال ـ:

لم يَجتمع علماؤه عَلَى ضلالة، لا عَمْداً ولا خطأ. فلا يَجتمِعُ اثنانِ عَلَى توثيقِ ضعيف، ولا عَلَى تضعيفِ ثقة. ([2]) وإنما يقعُ اختلافُهم في مراتبِ القُوَّةِ أو مراتبِ الضعف. والحَاكمُ مِنهم يَتكلَّمُ بحسبِ اجتهادِهِ، وقُوَّةِ مَعارِفِه. فإن قُدِّرَ  خطؤه في نقده، فله أجرٌ واحدٌ، والله الموفق. اهـ([3])

ولهذا كان مذهب النسائي أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه([4])

وليحذر المتكلم في هذا الفن من التساهل في الجرح والتعديل، فإنه إن عدَّل أحداً بغير تثبت؛ كان كالمثبت حكماً ليس بثابت، فيخشى عليه أن يدخل في "من روى حديثًا وهو يظن أنه كذب …." ([5]).

وإن جرًّح بغير تحرز فإنه أقدم على الطعن في مسلم برئ من ذلك، ووسمه بميسم سوء يبقى عليه عاره أبدًا.

والآفة تَدْخل في هذا تارةً مِن الهوى والغرضِ الفاسدِ. وكلامُ المتقدمين سالِمٌ مِن هذا، غالباً.

وتارةً مِن المخالفةِ في العقائد، وهو موجود كثيراً، قديماً وحديثاً. ولا ينبغي إطلاق الجرح بذلك اهـ([6])



القاعدة الثانية

أيهما يقدم الجرح أم التعديل؟


قال الحافظ في "النخبة":

"والجرح مقدم على التعديل إن صدر مبينًا من عارف بأسبابه. فإن خلا عن التعديل؛ قبل مجملاً على المختار" ([7])

وقال في شرح ذلك:

والجرح مقدم على التعديل، وأطلق ذلك جماعة ولكن محله إن صدر مبينا من عارف بأسبابه لأنه إن كان غير مفسر لم يقدح فيمن ثبتت عدالته.

وإن صدر من غير عارف بالأسباب لم يعتبر به أيضًا.

فإن خلا المجروح عن التعديل قُبل الجرح فيه مجملاً غير مبين السبب إذا صدر من عارف على المختار لأنه إذا لم يكن فيه تعديل؛ فهو في حيز المجهول، وإعمال قول المجِّرح أولى من إهماله اهـ([8])

واعلم أن هذا التفصيل الدقيق من الحفاظ ـرحمه الله ـ ينجيك الله به من التخبط والحيرة في قبول الراوي أو عدم قبوله، فكلامه ينبني على حالين:

الأول: إذا اختلف العلماء في توثيق الراوي وتجريحه؛ فلابد من معرفة أسباب الجرح والبحث عنها بكل دقة لتعرف هل جرح من جرحه هو في الراوي مطلقًا؛ أم هو في وقت من الأوقات أم هو في حديثه عن راوٍ آخر دون سائر الرواة، أم في حديث أو حديثين أو أكثر خالف فيها الثقات، أم لشحناء بينه وبين من جرحه، وغير ذلك من أسباب التجريح([9])

وكلما وجدنا سبيلاً واضحًا في دفع الجرح عن الراوي فيدفعه ويعتمد قول من عدله.

الحال الثاني: إذا لم يعلم أن أحدًا ذكر الراوي بتعديل وذكره أحد الرواة بجرح غير مفسر فهنا يقبل الجرح مجملاً دون البحث عن أسبابه

قال العلاَّمة المعلمي اليماني - رحمه الله -:

ينبغي أن تعلم أن كلام المحدث في الراوي يكون على الوجهين:

الأول: أن يسأل عنه في فيحيل فكره في حاله في نفسه وروايته ثم يستخلص من المجموع ذلك معنى يحكم به.

الثاني: أن يستقر في نفسه هذا المعنى ثم يتكلم في ذاك الراوي في صدد النظر في الحديث الخاص من روايته.

فالأول هو الحكم المطلق الذي لا يخالفه حكم آخر مثله إلا لتغيير الاجتهاد.

وأما الثاني فإنه كثيراً ما ينحي به نحو حال الراوي في ذاك الحديث.

فإذا كان المحدث يرى أن الحكم المطلق في الراوي أنه صدوق كثير الوهم ثم تكلم فيه في صدد حديث من روايته ثم في صدد حديث آخر وهكذا، فإنه كثيراً يتراءى اختلاف ما بين كلماته، فمن هذا أن الحجاج بن أرطأة عند الدارقطني صدوق يخطئ فلا يحتج بما ينفرد به واختلفت كلماته فيه في (السنن) فذكره في صدد الحديث واف قفيه جماعة من الثقات فعده الدارقطني في الجملة ((الحفاظ الثقات)) كما مر، وذكره في صدد حديث أخطأ فيه وخالف مسعراً وشريكاً فقال الدارقطني: ((حجاج ضعيف)) وذكره في مواضع أخرى فأكثر ما يقول: ((لا يحتج به)) اهـ ([10])

وفصل القول الإمام ابن دقيق العيد في الاقتراح فقال:

وَقد اخْتلف النَّاس فِي أَسبَاب الْجرْح وَلأَجل ذَلِك قَالَ من قَالَ أَنه لَا يقبل إِلَّا مُفَسرًا.

وَقد عقد الْحَافِظ الإِمَام أَبُو بكر الْخَطِيب بَابا فِيمَن جرح فاستفسر فَذكر مَا لَيْسَ بِجرح هَذَا أَو مَعْنَاهُ.

وَفِي بعض مَا يذكر فِي هَذَا مَا يُمكن تَوْجِيهه.

وَهَذَا الْبَاب تدخل فِيهِ الآفة من وُجُوه:

أَحدهَا:  وَهُوَ شَرها الْكَلَام بِسَبَب الْهوى وَالْغَرَض والتحامل وَهَذَا مُجَانب لأهل الدّين وطرائقهم.

وَهَذَا وَإِن كَانَ تنزه عَنهُ المتقدمون لتوفر أديانهم فقد تَأَخّر أَقوام وَوَضَعُوا تواريخ رُبمَا وَقع فِيهَا شَيْء من ذَلِك على أَن الفلتات من الْأَنْفس وَلَا يدعى الْعِصْمَة مِنْهَا فَإِنَّهُ رُبمَا حدث غضب لمن هم من أهل التَّقْوَى فبدرت مِنْهُ بادرة اللَّفْظ.

وَقد ذكر أَبُو عمر بن عبد الْبر الْحَافِظ أمورا كَثِيرَة عَن أَقوام من الْمُتَقَدِّمين وَغَيرهم حكم بِأَنَّهُ لَا يلْتَفت إِلَيْهَا وَحمل بَعْضهَا على أَنَّهَا خرجت عَن غضب وحرج من قَائِلهَا هَذَا أَو قريب مِنْهُ

وَمن رَأْيه أَن من اشْتهر بِحمْل الْعلم فَلَا يقبل فِيهِ جرح إِلَّا بِبَيَان هَذَا أَو مَعْنَاهُ.

وَثَانِيها الْمُخَالفَة فِي العقائد: فَإِنَّهَا أوجبت تَكْفِير النَّاس بَعضهم لبَعض أَو تبديعهم وأوجبت عصبية اعتقدوها دينا يتدينون بِهِ ويتقربون بِهِ إِلَى الله تَعَالَى وَنَشَأ من ذَلِك الطعْن بالتكفير أَو التبديع.

وَهَذَا مَوْجُود كثيرا فِي الطَّبَقَة المتوسطة من الْمُتَقَدِّمين.

وَالَّذِي تقرر عندنَا أَنه لَا تعْتَبر الْمذَاهب فِي الرِّوَايَة إِذْ لَا نكفر أحدا من أهل الْقبْلَة إِلَّا بإنكار متواتر من الشَّرِيعَة.

فَإِذا اعتقدنا ذَلِكُم وانضم إِلَيْهِ أهل التَّقْوَى والورع والضبط وَالْخَوْف من الله تَعَالَى فقد حصل مُعْتَمد الرِّوَايَة وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِيمَا حُكيَ عَنهُ حَيْثُ يَقُول:

أقبل شَهَادَة أهل الْأَهْوَاء إِلَّا الخطابية من الروافض

وَعلة ذَلِك أَنهم يرَوْنَ جَوَاز الْكَذِب لنصرة مَذْهَبهم.

وَنقل ذَلِك أَيْضا عَن بعض الكرامية.

نعم هَهُنَا نظر فِي أَمريْن.

أَحدهمَا أَنه هَل تقبل رِوَايَة المبتدع فِيمَا يُؤَيّد بِهِ مذْهبه أم لَا.

هَذَا مَحل نظر فَمن يرى رد الشَّهَادَة بالتهمة فَيَجِيء على مذْهبه أَن لَا يقبل ذَلِك.

الثَّانِي أَنا نرى أَن من كَانَ دَاعِيَة لمذهبه المبتدع متعصبا لَهُ متجاهرا بباطله أَن تتْرك الرِّوَايَة عَنهُ إهانة لَهُ وإخمادا لبدعته فَإِن تَعْظِيم المبتدع تنويه لمذهبه بِهِ.

اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يكون ذَلِك الحَدِيث غير مَوْجُود لنا إِلَّا من جِهَته فَحِينَئِذٍ تقدم مصلحَة حفظ الحَدِيث على مصلحَة إهانة المبتدع.

وَمن هَذَا الْوَجْه أَعنِي وَجه الْكَلَام بِسَبَب الْمذَاهب يجب أَن تتفقد مَذَاهِب الجارحين والمزكين مَعَ مَذَاهِب من تكلمُوا فِيهِ فَإِن رَأَيْتهَا مُخْتَلفَة فتوقف عَن قبوال الْجرْح غَايَة التَّوَقُّف حَتَّى يتَبَيَّن وَجهه بَيَانا لَا شُبْهَة فِيهِ

وَمَا كَانَ مُطلقًا أَو غير مُفَسّر فَلَا يجرح بِهِ.

فَإِن كَانَ الْمَجْرُوح موثقًا من جِهَة أُخْرَى فَلَا تحفلن بِالْجرْحِ الْمُبْهم مِمَّن خَالفه.

وَإِن كَانَ غير موثق فَلَا تحكمن بجرحه وَلَا تعديله.

فَاعْتبر مَا قلت لَك فِي هَؤُلَاءِ الْمُخْتَلِفين كَائِنا من كَانُوا.

وَثَالِثهَا الِاخْتِلَاف الْوَاقِع ببن المتصوفة وَأَصْحَاب الْعُلُوم الظَّاهِرَة.

فقد وَقع بَينهم تنافر أوجب كَلَام بَعضهم فِي بعض وَهَذِه غمرة لَا يخلص مِنْهَا إِلَّا الْعَالم الوافي بشواهد الشَّرِيعَة.

وَلَا أحْصر ذَلِك فِي الْعلم بالفروع المذهبية فَإِن كثيرا من أَحْوَال الْمُحَقِّقين من الصُّوفِيَّة لَا يَفِي بتمييز حَقه من باطله علم الْفُرُوع بل لَا بُد مَعَ ذَلِك من معرفَة الْقَوَاعِد الْأُصُولِيَّة والتمييز بَين الْوَاجِب والجائز والمستحيل الْعقلِيّ والمستحيل العادي فقد يكون المتميز فِي الْفِقْه جَاهِلا بذلك حَتَّى يعد المستحيل عَادَة مستحيلا عقلا.

وَهَذَا الْمقَام خطير شَدِيد فَإِن القادح فِي المحق من الصُّوفِيَّة معاد لأولياء الله تَعَالَى وَفِيمَا قَالَ فِيمَا أخبر عَنهُ نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة.

والتارك لإنكار الْبَاطِل مِمَّا يسمعهُ عَن بَعضهم تَارِك لِلْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر عَاص لله تَعَالَى بذلك.

فَإِن لم يُنكر بِقَلْبِه فقد دخل تَحت قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام

وَلَيْسَ وَرَاء ذَلِك من الْإِيمَان حَبَّة خَرْدَل.

وَرَابِعهَا: الْكَلَام بِسَبَب الْجَهْل بالعلوم ومراتبها وَالْحق وَالْبَاطِل مِنْهَا.

وَهَذَا مُحْتَاج إِلَيْهِ فِي الْمُتَأَخِّرين أَكثر مِمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي الْمُتَقَدِّمين وَذَلِكَ لِأَن النَّاس انتشرت بَينهم أَنْوَاع من الْعُلُوم الْمُتَقَدّمَة والمتأخرة حَتَّى عُلُوم الْأَوَائِل.

وَقد علم أَن عُلُوم الْأَوَائِل قد انقسمت إِلَى حق وباطل.

وَمن الْحق علم الْحساب والهندسة والطب.

وَمن الْبَاطِل مَا يَقُولُونَهُ فِي الطبيعيات وَكثير من الإلهيات وَأَحْكَام النُّجُوم.

وَقد تحدث فِي هَذِه الْأُمُور أَقوام.

وَيحْتَاج القادح بِسَبَب ذَلِك إِلَى أَن يكون مُمَيّزا بَين الْحق وَالْبَاطِل لِئَلَّا يكفر من لَيْسَ بِكَافِر أَو يقبل رِوَايَة الْكَافِر.

والمتقدمون قد استراحوا من هَذَا الْوَجْه لعدم شيوع هَذِه الْأُمُور فِي زمانهم.

وخامسها الْخلَل الْوَاقِع بِسَبَب عدم الْوَرع وَالْأَخْذ بالتوهم والقرائن الَّتِي قد تخْتَلف.

فَمن فعل ذَلِك فقد دخل تَحت قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام إيَّاكُمْ وَالظَّن فَإِن الظَّن أكذب الحَدِيث.

وَهَذَا ضَرَره عَظِيم فِيمَا إِذا كَانَ الْجَارِح مَعْرُوفا بِالْعلمِ وَكَانَ قَلِيل التَّقْوَى فَإِن علمه يَقْتَضِي أَن يَجْعَل أَهلا لسَمَاع قَوْله وجرحه فَيَقَع الْخلَل بِسَبَب قلَّة ورعه وَأَخذه بالوهم.

وَلَقَد رَأَيْت رجلا لَا يخْتَلف أهل عصرنا فِي سَماع قَوْله إِن جرح.

ذكر لَهُ إِنْسَان أَنه سمع من شيخ فَقَالَ لَهُ: أَيْن سَمِعت مِنْهُ؟

فَقَالَ: لَا بِمَكَّة أَو قَرِيبا من هَذَا، وَقد كَانَ جَاءَ إِلَى مصر يَعْنِي فِي طَرِيقه لِلْحَجِّ فَأنْكر ذَلِك، وَقَالَ: ذَاك صَحَابِيّ لَو جَاءَ إِلَى مصر لَاجتمع بِي، أَو كَمَا قَالَ.

فَانْظُر إِلَى هَذَا التَّعَلُّق بِهَذَا الْوَهم الْبعيد والخيال الضَّعِيف فِيمَا أنكرهُ، ولصعوبة اجْتِمَاع هَذِه الشَّرَائِط عظم الْخطر فِي الْكَلَام فِي الرِّجَال لقلَّة اجْتِمَاع هَذِه الْأُمُور فِي المزكين.

وَلذَلِك قلت: أَعْرَاض الْمُسلمين حُفْرَة من حفر النَّار وقف على شفيرها طَائِفَتَانِ من النَّاس المحدثون والحكام. اهـ([11])



القاعــدة الثالثة

إعلال المتن مع صحة السند ظاهرا


قال الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني ـ رحمه الله ـ في مقدمة "الفوائد المجموعة " .

إذا استنكر الأئمة المحققون المتْن، وكان ظاهر السند الصحة، فإنَّهم يتطلبون له علة، فإذا لَم يجدوا علة قادحة مطلقًا، حيث وقعت، أعلوه بعلة ليست بقادحة مطلقًا، ولكنهم يرونَها كافية للقدح في ذاك المنكر:

فمن ذلك: إعلاله بأن رواية لَم يصرح بالسماع، هذا مع أن الراوي غير مدلس، أعل البخاري بذلك خبرًا رواه عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن عكرمة، تراه في ترجمة عمرو من التهذيب.

ونحو ذلك: كلامه في حديث عمرو بن دينار: في القضاء بالشاهد واليمين.

ونحوه أيضًا: كلام شيخه علي بن المديني في حديث "خلق الله التربة يوم السبت.. إلخ" كما تراه في الأسماء والصفات للبيهقي، وكذلك أعل أبو حاتم خبرًا رواه الليث بن سعد عن سعيد المقبري، كما تراه في علل ابن أبي حاتم([12])

ومن ذلك: إشارة البخاري إلى إعلال حديث الجمع بين الصلاتين: بأن قتيبة لما كتبه عن الليث كان معه خالد المدائني، وكان خالد يدخل على الشيوخ (يراجع معرفة علوم الحديث للحاكم ص120). ([13])

ومن ذلك: الإعلال بالحمل على الخطأ، وإن لَم يتبين وجهه، كإعلالهم حديث عبد الملك بن أبي سليمان في الشفعة.

ومن ذلك: إعلالهم بظن أن الحديث أدخل على الشيخ، كما ترى في لسان الميزان في ترجمة الفضل بن الحباب وغيرها.

وحجتهم في هذا: أن عدم القدح بتلك العلة مطلقًا إنما بني على أن دخول الخلل من جهتها نادر، فإذا اتفق أن يكون المتن منكرًا، يغلب على ظن الناقد بطلانه، فقد يحقق وجود الخلل، وإذ لَم يوجد سبب له إلا تلك العلة، فالظاهر أنَّها هي السبب، وأن هذا من ذاك النادر الذي يجيء الخلل فيه من جهتها.

وبِهذا يتبين: أن ما يقع ممن دونهم من التعقب بأن تلك العلة غير قادحة، وأنَّهم قد صححوا ما لا يحصى من الأحاديث، مع وجودها فيها، إنَّما هو غفلة عما تقدم من الفرق، اللهم إلا أن يثبت المتعقب أن الخبر غير منكر. اهـ([14])


القاعدة الرابعة

جُرح المتعنت وتوثيقه


قال الإمام الذهبي ـ رحمه الله ـ:

اعلم هداك الله أن الذين قبل الناس قولهم في الجرح والتعديل على ثلاث أقسام.

1 - قسم تكلموا في أكثر الرواة كابن معين وأبي حاتم الرازي.

2 - وقسم تكلموا في كثير من الرواة كمالك وشعبة.

3 - وقسم تكلموا في الرجل بعد الرجل كابن عيينة والشافعي والكل أيضا على ثلاث أقسام.

1 - قسم متعنت في الجرح متثبت في التعديل يغمز الراوي بالغلطتين والثلاث ويلين بذلك حديثه فهذا اذا وثق شخصا فعض على قوله بناجذيك وتمسك بتوثيقه وإذا ضعف رجلا فانظر هل وافقه غيره على تضعيفه إن وافقه ولم يوثق ذلك أحد من الحذاق فهو ضعيف وإن وثقه أحد فهذا الذي قالوا فيه لا يقبل تجرحه إلا مفسرا يعني لا يكفي أن يقول فيه ابن معين مثلا هو ضعيف ولم يوضح سبب ضعفه وغيره قد وثقه فمثل هذا يتوقف في تصحيح حديثه وهو إلى الحسن اقرب وابن معين وأبو حاتم والجوزجاني متعنتون.

2 - وقسم في مقابلة هؤلاء كأبي عيسى الترمذي وأبي عبد الله الحاكم وأبي بكر البيهقي متساهلون.

3 - وقسم كالبخاري واحمد بن حنبل وأبي زرعة وابن عدي معتدلون ومنصفون ([15]) .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أنظر النكت على شرح نزهة النظر للشيخ علي الحلبي (ص189).

[2])) المقصد من ذلك الاتفاق على التضعيف والتعديل لا الاختلاف وإلا  فقد وقع الخلاف في تضعيف وتوثيق كثير من الرواة.

[3])) انظر الموقظة في علم مصطلح الحديث (ص: 84).

[4])) وقد ورد أيضا عن أحمد بن صالح المصري (170- 248هـ): "لا يترك حديث الرجل حتى يجتمع الجميع على تركه... قد يقال فلان ضعيف، أما أن يقال فلان "متروك" فلا، إلا أن يجمع الجمع على ترك حديثه [انظر فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للسخاوي(2/ 126)].

ونقل الحافظ في  تهذيب التهذيب (20/ 346): قال يعقوب وقال لي أحمد مذهبي في الرجال أني لا أترك حديث محدث حتى يجتمع أهل مصر على ترك حديثه. اهـ

والقول في حق الراوي متروك خلاف ضعيف. مطلقا أو بسبب. فالأول تنطبق عليه القاعدة، والثاني لابد من موازنة بين الجرح والتعديل.

 (1) لا يوجد بهذا اللفظ وإنما رواه مسلم في صحيحه (1/7) مقدمة من حديث سمرة بن جندب بلفظ: "مَنْ حَدَّثَ عَنِّى بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ".

[6])) نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر للحافظ بن حجر العسقلاني (ص: 257).

[7])) نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر (مطبوع ملحقا بكتاب سبل السلام) (4/ 726).

[8])) نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر (ص: 174).

[9])) قال الحافظ في مقدمة الفتح: (ص384):

أسباب الجرح مختلفة ومدارها على خمسة أشياء البدعة أو المخالفة أو الغلط أو جهالة الحال أو دعوى الانقطاع في السند بأن يدعي في الراوي أنه كان يدلس أو يرسل. اهـ

[10])) التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل - المعلمي (2/ 54).

[11])) الاقتراح في بيان الاصطلاح (ص: 57).

[12])) قال ابن أبي حاتم في علل الحديث لابن أبي حاتم (5/ 78).

وسألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه محمد بن عباد، عن حاتم بن إسماعيل، عن ابن عجلان، عن سعيد، عن أبي هريرة: أن أعرابيا سأل النبي r وهو على المنبر فقال: متى الساعة؟ فقال: ما أعددت لها؟، قال: حب الله ورسوله؛ قال: فإنك مع من أحببت؟

فقالا: هذا خطأ؛ يرويه الليث بن سعد، عن سعيد المقبري، عن شريك بن عبد الله، عن أنس، عن النبي r؛ وهذا الصحيح.

قلت  لأبي زرعة: الوهم ممن هو؟

قال: من ابن عجلان.

وقلت لأبي: الوهم ممن هو؟

قال: من محمد بن عباد، أو حاتم.

[13])) قال الإمام أبو عبد الله الحاكم في معرفة علوم الحديث" (ص8320): (فنظرنا فإذا الحديث موضوع، وقتيبة ثقة مأمون).

وقال: حدثني أبو الحسن محمد بن موسى بن عمران الفقيه قال: حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: سمعت صالح بن حَفْصُويَه النيسابوري-قال أبو بكر: وهو صاحب حديث-يقول: سمعت محمد ابن إسماعيل البخاري يقول: قلت لقتيبة بن سعيد: مع من كتبتَ عن الليث بن سعد، حديث يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل؟ قال: كتبته مع خالد المدائني، قال البخاري: وكان خالد المدائني يُدخل الأحاديث على الشيوخ. اهـ

[14])) الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة - الشوكاني (1/ 6).

[15])) ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل (ص: 171).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قواعد مهمة في علم الجرح والتعديل
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» قواعد وأمور مهمة للمسلم في مسألة تكفير مسلم بعينه
» الرد على عبد الحميد الجهني في مفهوم السلف والجرح والتعديل والتبديع
» قواعد في النحو للمبتدئين
» قواعد شرعية في فهم الملة الإسلامية
» قواعد علمية هامة للشيخ الألباني في علم الحديث

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
موقع الشيخ سيف النصر علي عيسى :: قسم الحديث وعلومه :: منتدى علم الحديث والجرح والتعديل-
انتقل الى: