شرح حديث من كتاب الإلمام بأحاديث الأحكام لابن دقيق العيد
كتاب البيوع
(927) رَوَى مُسلم من حَدِيث سَالم بن أبي الْجَعْد ، عَن جَابر ، فِي قصَّة بعيره : قَالَ : قلت يَا رَسُول الله فَإِن لرجل عليَّ أُوقِيَّة من ذهب ، فَهُوَ لَك بهَا . قَالَ : " قد أَخَذته بهَا فتبلّغ عَلَيْهِ إِلَى الْمَدِينَة ... الحَدِيث " .
الشرح
الحديث بتمامه :
عن جابر قال : أقبلنا من مكة إلى المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتل جملي وساق الحديث بقصته وفيه ثم قال لي: (بعني جملك هذا)
قال: قلت: لا بل هو لك
قال: ( لا بل بعنيه )
قال: قلت: لا بل هو لك يا رسول الله
قال: ( لا بل بعنيه )
قال: قلت: فإن لرجل علي أوقية ذهب فهو لك بها
قال: ( قد أخذته فتبلغ عليه إلى المدينة )
قال: فلما قدمت المدينة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال: ( أعطه أوقية من ذهب وزده ) قال: فأعطاني أوقية من ذهب وزادني قيراطا ، قال: فقلت: لا تفارقني زيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: فكان في كيس لي فأخذه أهل الشام يوم الحرة( )
قوله : ( أوقية)
قوله : (فتبلغ بها) :
الحديث فيه أن مسألة البيع والشراء كانت معهودة منذ قديم الزمن ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد شراء جمل جابر بن عبد الله ، وأراد جابر إكرام النبي صلى الله عليه وسلم وإعطائه له دون مقابل ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقبل ذلك حتى لا يكون الأمر وقع منه حياء ، فأخبره جابر بدينه وإن كان دون ثمن الجمل فاشتراه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وتركه لجابر يركبه ليصل به إلى المدينة ، وعندما وصل أمر له بما اتفقا عليه وزاده على الاتفاق.
فقه الحديث وفوائده :
1 ـ في الحديث جواز طلب الإنسان شراء عين مع شخص ما سواء كانت أثاثا أو دابة أو سيارة أو قطعة كهربائية
2 ـ جواز قبول ثمن السلعة حتى ولو عرف أن صاحبها طلب أقل من ثمنها إكراما له
3 ـ جواز بيع الحيوان بالذهب
4 ـ جواز البيع بثمن مؤجل وفي المسألة خلاف بين أهل العلم
5 ـ إذا جاز البيع بالثمن مؤجلا جاز تقسيط هذا الثمن على مدة محددة
6 ـ في رواية للحديث : عن جابر بن عبد الله أنه كان يسير على جمل له قد أعيا فأراد أن يسيبه قال: فلحقني النبي صلى الله عليه وسلم فدعا لي وضربه فسار سيرا لم يسر مثله قال: بعنيه بوقية، قلت: لا ، ثم قال: بعنيه فبعته بوقية واستثنيت عليه حملانه إلى أهلي فلما بلغت أتيته بالجمل فنقدني ثمنه ثم رجعت فأرسل في أثري فقال: أتراني ماكستك لآخذ جملك خذ جملك ودراهمك فهو لك( )
ففيه اشتراط الركوب عليه حتى يبلغ المدينة ، وهو جائز في حالة الحاجة إليها دون إفساد للبيع ، وأن الشرط الذي وقع هنا شرط تفضل .
7 ـ لطيفة :
قال الحافظ في الفتح :
وما جنح إليه المصنف من ترجيح رواية الاشتراط هو الجاري على طريقة المحققين من أهل الحديث لأنهم لا يتوقفون عن تصحيح المتن إذا وقع فيه الاختلاف إلا إذا تكافأت الروايات وهو شرط الاضطراب الذي يرد به الخبر وهو مفقود هنا مع إمكان الترجيح.
قال بن دقيق العيد: إذا اختلفت الروايات وكانت الحجة ببعضها دون بعض توقف الاحتجاج بشرط تعادل الروايات أما إذا وقع الترجيح لبعضها بأن تكون رواتها أكثر عددا أو أتقن حفظا فيتعين العمل بالراجح إذ الأضعف لا يكون مانعا من العمل بالأقوى والمرجوح لا يمنع التمسك بالراجح.اهـ( )
8 ـ لا يجوز بيع عين إلا بثمن معلوم ، ويجوز زيادة الثمن من قبل المشتري إحسانا وفضلا لدوام المودة
9 ـ جواز إعطاء صاحب السلعة أكثر مما اتفق عليه ، واستحباب فعل ذلك إذا علم أن البائع في حاجة إلى زيادة من باب تفريج الكرب .
10ـ فيه جواز أن يقوم مسلم بسداد دينه أخيه المسلم أو مساعدته في ذلك، وهو من باب التعاون على البر والتقوى.
11ـ في الحديث الحث على الترابط بين المسلمين وأن التعاون على سداد الدين وتفريج الكرب وسيلة إلى ذلك.
12ـ فيه مباشرة الراعي البيع والشراء بنفسه مع رعيته دون حرج
13 ـ فيه جواز بيان سبب البيع كما فعل جابر رضي الله عنه
14ـ فيه جواز أن يطلب الإنسان من أخيه بيعه عين يريدها ، كما طلب النبي صلى الله عليه وسلم من جابر بيعه جمله
15ـ فيه استحباب التعاون بين المسلمين وترك المسلم العين والثمن لصاحبه تفضلا كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع جابر حين رد عليه جمله وأعطاه ثمنه.
16ـ فيه استحباب قبول عطية المسلم لأخيه وقبول مساعدته، وهذا يزيد أواصر المحبة بين المسلمين